Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 47-49)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن أهوال يوم القيامة ، وما يكون فيه من الأمور العظام ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [ الطور : 9 - 10 ] : أي تذهب من أماكنها وتزول كما قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] ، يذكر تعالى أنه تذهب الجبال وتتساوى المهاد ، وتبقى الأرض قاعاً صفصفاً ، أي سطحاً مستوياً لا عوج فيه ولا أمتاً ، أي ولا وادي ولا جبل . ولهذا قال تعالى : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } أي بادية ظاهرة ، ليس فيها معلم لأحد ولا مكان يواري أحداً ، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية . قال مجاهد وقتادة { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } : لا حجر فيها ولا غيابة ، وقال قتادة : لا بناء ولا شجر ، وقوله : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } أي وجمعناهم الأولين منهم والآخرين ، فلم نترك منهم أحداً لا صغيراً ولا كبيراً . كما قال { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 - 50 ] ، وقال : { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] ، وقوله : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً } يحتمل أن يكون المراد أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفاً واحداً ، ويحتمل أنهم يقومون صفوفاً صفوفاً ، كما قال : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] ، وقوله : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } هذا تقريع للمنكرين للمعاد ، وتوبيخ لهم على رؤوس الأشهاد ، ولهذا قال تعالى مخاطباً لهم : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ، ولا أن هذا كائن . وقوله : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } أي كتاب الأعمال ، الذي فيه الجليل والحقير ، والفتيل والقطمير ، والصغير والكبير ، { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } أي من أعمالهم السيئة ، وأفعالهم القبيحة ، { وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا } أي يا حسرتنا وويلنا على ما فرطنا في أعمارنا ، { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } أي لا يترك ذنباً صغيراً ولا كبيراً ولا عملاً وإن صغر ، إلاّ أحصاها أي ضبطها وحفظها ، وقوله { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } أي من خير وشر ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [ آل عمران : 30 ] الآية ، وقال تعالى : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ الأنبياء : 13 ] وفي الحديث : " يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته ، يقال هذه غدرة فلان بن فلان " وقوله : { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } أي فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعاً ولا يظلم أحداً من خلقه ، بل يعفو ويصفح ويغفر ويرحم ، ويعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله ، ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي ، ثم ينجي أصحاب المعاصي ويخلد فيها الكافرين ، وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم ، قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } [ النساء : 40 ] الآية ، وقال : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [ الأنبياء : 47 ] إلى قوله { حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] والآيات في هذا كثيرة . روى الإمام أحمد ، عن جابر بن عبد الله يقول : بلغني حديث عن رجل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيراً ثم شددت عليه رحلاً فسرت عليه شهراً حتى قدمت عليه الشام ، فإذا ( عبد الله بن أنيس ) ، فقلت للبواب : قل له جابر على الباب ، فقال : ابن عبد الله ؟ قلت : نعم ، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته ، فقلت : حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه ، فقال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الله عزَّ وجلَّ الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراة غرلاً بهماً " . قلت : وما بهماً ؟ قال : " ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ : أنا الملك أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه ، حتى اللطمة قال : قلنا ، كيف وإنما نأتي الله عزَّ وجلَّ حفاة عراة غرلاً بهماً ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " " .