Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-6)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة . وقوله : { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ } أي هذا ذكر رحمة الله عبده زكريا ، وزكريا يمد ويقصر ، قراءتان مشهورتان ، وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل ، وفي " صحيح البخاري " ، أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة ، وقوله { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } قال بعض المفسرين : إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره ، حكاه الماوردي ، وقال الآخرون : إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله ، كما قال قتادة في هذه الآية { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } : إن الله يعلم القلب التقي ، ويسمع الصوت الخفيّ ، وقال بعض السلف : قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه ، فجعل يهتف بربه يقول خفية : يا رب يا رب يا رب ، فقال الله له : لبيك لبيك لبيك { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } أي ضعفت وخارت القوى { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } أي اضطرم المشيب في السواد . والمراد من هذا الإخبارُ عن الضعف والكبر ، ودلائله الظاهرة والباطنة ، وقوله : { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } أي ولم أعهد منك إلاّ الإجابة في الدعاء ، ولم تردني قط فيما سألتك ، وقوله : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي } ، قال مجاهد وقتادة والسدي : أراد بالموالي العصبة ، ووجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً ، فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه ، فأجيب في ذلك ، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله ، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده ، وأن يأنف من وراثة عصباته له ، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه . ( الثاني ) أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه ، ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء ، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا . ( الثالث ) أنه ثبت في " الصحيحين " من غير وجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركناه صدقة " وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح : " نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي } على ميراث النبوة ، ولهذا قال : { وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } كقوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [ النمل : 16 ] أي في النبوة . إذ لو كان في المال خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " ، قال مجاهد : كان وراثته علماً وقال الحسن : يرث نبوته وعلمه ، وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب ، وعن أبي صالح في قوله { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } قال : يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة ، وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره . وقوله : { وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } أي مرضياً عندك وعند خلقك ، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه .