Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 88-95)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام ، وذكر خلقه من مريم بلا أب ، شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً ، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً فقال : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ } أي في قولكم ، هذا { شَيْئاً إِدّاً } ، قال ابن عباس : أي عظيماً ، وقوله : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجَرَة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً ، لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده وأنه لا إلٰه إلاّ هو ، قال ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } قال : إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلاّ الثقلين ، وكادت تزول منه لعظمة الله ، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتاكم شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله ، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة " ، فقالوا : يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال : " تلك أوجب وأوجب " ، ثم قال : " والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن " ، وقال الضحاك { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } أي يتشققن فرقاً من عظمة الله . وقال عبد الرحمٰن بن زيد { وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } أي غضباً له عزّ وجلّ ، { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } قال ابن عباس : هدماً ، وقال سعيد بن جبير : هدأ ينكسر بعضها على بعض متتابعات ، عن عون بن عبد الله : قال إن الجبل لينادي الجبل باسمه : يا فلان هل مر بك اليوم ذكر الله عزَّ وجلَّ ؟ فيقول : نعم ويستبشر ، قال عون : لهي للخير أسمع ، أفيسمعن الزور والباطل ، إذا قيل ولا يسمعن غيره ؟ ثم قرأ { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } الآية وعن أبي موسى رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أن يشرك به ويُجعل له ولد ، وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم " ، أخرجاه في " الصحيحين " . وفي لفظ : " إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم " وقوله : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته ، لأنه لا كفء له من خلقه ، لأن جميع الخلائق عبيد له ، ولهذا قال : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } أي قد علم عددهم ، منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم ، { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } أي لا ناصر ولا مجير إلاّ الله وحده لا شريك له ، فيحكم في خلقه بما يشاء ، هو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم أحداً .