Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 114-114)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها على قولين : أحدهما : هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه . قال قتادة : أولئك أعداء الله النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس . وقال السُّدي : كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه وأمر أن يطرح فيه الجيف ، وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا . القول الثاني : ما رواه ابن جرير عن ابن زيد قال : هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخلوا مكة حتى نحر هديه بذي طوى وهادنهم وقال لهم : " ما كان أحد يصد عن هذا البيت ، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده " فقالوا : لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق . وفي قوله : { وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ } عن ابن عباس أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } ، ثم اختار ابن جرير القول الأول واحتج بأن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة ، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس . ( قلت ) : والذي يظهر - والله أعلم - القول الثاني كما قاله ابن زيد فإنه تعالى لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى ، شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام ، وأما اعتماده على أن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة ، فأي خراب أعظم مما فعلوا ؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ الأنفال : 34 ] . وقال تعالى : { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } [ الفتح : 25 ] وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط ، إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ، ورفعها عن الدنس والشرك . وقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } هذا خبر معناه الطلب أي لا تمكنوا هؤلاء إذا قدرتم عليهم من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية ، ولهذا لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادي برحاب مِنى : " ألا لا يحجنَّ بعد العام مشرك ، ولا يطوفنَّ بالبيت عريان ، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته " ، وقال بعضهم : ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلاً أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها . والمعنى : ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وغيرهم ، وقيل : إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد ، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم ، وقد أنجز الله هذا الوعد كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام ، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان ، وأن يجلى اليهود والنصارى منها ولله الحمد والمنة ، وما ذاك إلا تشريف أكناف المسجد الحرام ، وتطهير البقعة التي بعث الله فيها رسوله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا هو الخزي لهم في الدنيا لأن الجزاء من جنس العمل ، فكما صدّوا المؤمنين عن المسجد الحرام صُدُّوا عنه ، وكما أجلوهم من مكة أُجلوا عنها { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } على ما انتهكوا من حرمة البيت ، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله ، ودعاء غير الله عنده ، والطواف به عرياً وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله ، وأما من فسر بيت المقدس فقال : ( كعب الأحبار ) إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس خربوه ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أنزل عليه : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } الآية فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفاً ، وقال قتادة : لا يدخلون المساجد إلا مسارقة .