Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 124-124)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى منبِّهاً على شرف إبراهيم خليله عليه السلام ، وأن الله تعالى جعله إماماً للناس يقتدى به في التوحيد ، حين قام بما كلّفه به من الأوامر والنواهي ، ولهذا قال : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } أي واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذي ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها … واذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم أي اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي { فَأَتَمَّهُنَّ } أي قام بهن كلهن كما قالت تعالى { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] أي وفي جميع ما شرع له فعمل به صلوات الله عليه . وقال تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النحل : 120 - 121 ] وقال تعالى : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 67 - 68 ] . وقوله تعالى : { بِكَلِمَاتٍ } أي بشرائع وأوامر ونواه ، { فَأَتَمَّهُنَّ } أي قام بهن ، قال : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } أي جزاء على ما فعل كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة وإماماً يقتدى به ويحتذى حذوه . وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام ، فروي عن ابن عباس قال : ابتلاه الله بالمناسك ، وروي عنه قال : ابتلاه بالطهارة خمسٌ في الرأس ، وخمسٌ في الجسد ، في الرأس : قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس ، وفي الجسد : تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء . وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الفطرة خمس : الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط " . وقال عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم ، قال الله تعالى : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } ، قلت له : وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن ؟ قال : الإسلام ثلاثون سهماً منها عشر آيات في براءة : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ } [ الآية : 112 ] إلى آخر الآية ، وعشر آيات في أول سورة { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] وعشر آيات في الأحزاب : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } [ الآية : 35 ] إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتبت له براءة . قال الله تعالى : { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] . وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه ، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم ، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمر به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله ، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه ، فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء قال الله له : { أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] على ما كان من خلاف الناس وفراقهم . وقال ابن جرير : كان الحسن يقول : إي والله ، لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه ، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك ، وعرف أن ربه دائم لا يزول ، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما كان من المشركين ، ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجراً إلى الله ، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك ، وابتلاه بذبح ابنه ، والختان ، فصبر على ذلك . وعن الربيع بن أنس قال : الكلمات { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } ، وقوله : { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } [ البقرة : 125 ] ، وقوله : { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [ البقرة : 125 ] ، وقوله : { وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } [ البقرة : 125 ] الآية ، وقوله : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } [ البقرة : 127 ] الآية . قال : فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم . وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم عليه السلام أول من اختتن ، وأول من ضاف الضيف ، وأول من قلم أظفاره ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب . فلما رأى الشيب قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب زدني وقاراً . قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله : إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ، وجاز أن يكون بعض ذلك ، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع . قال : ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له . ولما جعل الله إبراهيم إماماً سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته فأجيب إلى ذلك ، وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمةً فلا يقتدى بهم { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } ، والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قوله تعالى في سورة العنكبوت : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } [ الآية : 27 ] فكل نبي أرسله الله ، وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ، ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه ، وأما قوله تعالى : { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } فقد اختلفوا في ذلك ، فقال مجاهد : لا يكون إمام ظالم يقتدى به . وعنه قال : أما من كان منهم صالحاً فاجعله إماماً يقتدى به ، وأما من كان ظالماً فلا ولا نعمة عين . وعن ابن عباس قال ، قال الله لإبراهيم : إني جاعلك للناس إماماً ، قال : ومن ذريتي ، فأبى أن يفعل ، ثم قال : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } . وروي عن قتادة في قوله : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } قال : لا ينال عهدُ الله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش . وقال الربيع بن أنس : عهدُ الله الذي عهد إلى عباده دينهُ ، يقول : لا ينال دينه الظالمين ألا ترى أنه قال : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ } [ الصافات : 113 ] يقول ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } قال : " لا طاعة إلا في المعروف " وقال السُّدي { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } : يقول عهدي نبوتي . فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير . وقال ابن خويز منداد : الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكماً ولا مفتياً ولا شاهداً ولا راوياً .