Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 14-15)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي ، وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا آمنا ، وأظهروا لهم الإيمان والموالاة ، غروراً منهم للمؤمنين ونفاقاً ومصانعه وتقية ، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم . { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } يعني إذا انصرفوا وخلصوا إلى شياطينهم ، فضمّن " خلوا " معنى انصرفوا لتعديته بإلى ليدل على الفعل المضمر ، وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم ، ورؤساؤهم من أحبار اليهود ، ورؤوس المشركين والمنافقين ، قال السُّدي عن ابن مسعود { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } يعني رؤساءهم في الكفر ، وقال ابن عباس : هم أصحابهم من اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال مجاهد : أصحابهم من المنافقين والمشركين ، وقال قتادة : رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر ، قال ابن جرير : وشياطين كل شيء مردته ، ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى : { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [ الأنعام : 112 ] ، وقوله تعالى : { قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } أي إنا على مثل ما أنتم عليه { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } أي إنما نستهزىء بالقوم ونلعب بهم ، وقال ابن عباس : { مُسْتَهْزِئُونَ } ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى جواباً لهم ومقابلة على صنيعهم : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } ، قال ابن عباس : يسخر بهم للنقمة منهم { وَيَمُدُّهُمْ } يملي لهم ، وقال مجاهد : يزيدهم كقوله تعالى : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 55 - 56 ] ، قال ابن جرير : أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] الآية ، وفي قوله : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] الآية ، قال : فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ومكره وخديعته بالمنافقين وأهل الشرك ، وقال آخرون : استهزاؤه بهم توبيخه إياهم ، ولومه لهم على ما ارتكبوا من معاصيه ، وقال آخرون : قوله : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } ، وقوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] ، وقوله : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] وما أشبه ذلك إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ، ومعاقبهم عقوبة الخداع ، فأخرج الخبر عن الجزاء مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه ، فاللفظ متفق والمعنى مختلف كما قال تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، وقوله : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } [ البقرة : 194 ] فالأول ظلم والثاني عدل ، فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما ، وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك . والعمه : الضلال ، يقال : عمه عمهاً إذا ضل ، وقوله : { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي في ضلالتهم وكفرهم يترددون حيارى ، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً لأن الله قد طبع على قلوبهم ، وختم عليها ، وأعمى أبصارهم عن الهدى فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً ، وقال بعضهم : العمه في القلب ، والعمى في العين ، وقد يستعمل العمى في القلب أيضاً كما قال تعالى : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] .