Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 204-207)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال السدي : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام ، وفي باطنه خلاف ذلك ، وعن ابن عباس أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في ( خبيب ) وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع ، وعابوهم ، وقيل : بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم وهو الصحيح ، وروى ابن جرير قال : حدثني محمد بن أبي معشر ، أخبرني أبو معشر نجيح ، قال : سمعت سعيداً المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي ، فقال سعيد : إن في بعض الكتب : ( إن عباداً ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين ، قال الله تعالى : عليّ تجترئون وبي تغترون ؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران ) ، فقال محمد بن كعب : هذا في كتاب الله ، فقال : سعيد : وأين هو من كتاب الله ؟ قال ، قول الله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } الآية فقال سعيد : قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية ، فقال : محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد ، وهذا الذي قاله القرطبي حسن صحيح . وأما قوله تعالى : { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } فمعناه أنه يظهر للناس الإسلام ، ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق ، كقوله تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ } [ النساء : 108 ] الآية . وقيل : معناه : أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم أن الذي في قلبه موافق للسانه وهذا المعنى صحيح واختاره ابن جرير وعزاه إلى ابن عباس ، والله أعلم . وقوله تعالى : { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } ، الألد في اللغة : الأعوج ، { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } [ مريم : 97 ] أي عوجاً ، وهكذا المنافق في حال خصومته ، يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه ، بل يفتري ويفجر ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدَّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " وفي الحديث : " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " . وقوله تعالى : { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي هو أعوج المقال سيء الفعال ، فذلك قوله وهذا فعله . كلامه كذب ، واعتقاده فاسد ، وأفعاله قبيحة . والسعي هٰهنا هو القصد كما قال إخباراً عن فرعون : { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ * فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 22 - 24 ] ، وقال تعالى : { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 9 ] أي اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة ، فإن السعي الحسي إلى الصلاة منهي عنه بالسنة النبوية : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار " فهذا المنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض ، وإهلاك الحرث : وهو محل نماء الزروع والثمار ، والنسل : وهو نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما . وقال مجاهد : إذا سعى في الأرض إفساداً منع الله القطر فهلك الحرث والنسل . { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } أي لا يحب من هذه صفته ، ولا من يصدر منه ذلك . وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } أي إذا وُعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله ، وقيل له : اتق الله وانزع عن قولك وفعلك ، وارجع إلى الحق ، امتنع وأبى ، وأخذته الحمية والغضب بالإثم ، أي بسبب ما اشتمل عليه من الآثام ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ الحج : 72 ] ولهذا قال في هذه الآية : { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي هي كافيته عقوبة في ذلك . وقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة ، ذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } ، قال ابن عباس وجماعة : نزلت في ( صهيب الرومي ) وذلك أنه لما أسلم بمكة ، وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله ، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل ، فتخلص منهم وأعطاهم ماله ، فأنزل الله فيه هذه الآية ، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة ، فقالوا : ربح البيع ، فقال : وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم ، وما ذاك ؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية ، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " ربح البيع صهيب " وروي عن أبي عثمان النهدي عن صهيب قال : لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش : يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك ، وتخرج أنت ومالك ؟ والله لا يكون ذلك أبداً ، فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلُّون عني ؟ قالوا : نعم ، فدفعت إليهم مالي فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ربح صهيب ، ربح صهيب " مرتين . وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله كما قال الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } [ التوبة : 111 ] ، ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين أنكر عليه بعض الناس فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة وغيرهما وتلوا هذه الآية : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } .