Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 219-220)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى الإمام أحمد عن أبي ميسرة عن عمر أنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بيِّن لنا الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في النساء : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } [ الآية : 43 ] ، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى : أن لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً . فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] ؟ قال عمر : انتهينا انتهينا . أما الخمر فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنه كل ما خامر العقل ، والميسر : وهو القمار . وقوله تعالى : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } ، أما إثمهما فهو في الدين ، وأما المنافع فدنيوية ، من حيث إن فيها نفع البدن ، وتهضيم الطعام ، وإخراج الفضلات ، وتشحيذ بعض الأذهان ، ولذة الشدة المطربة ، التي فيها كما قال ( حسّان بن ثابت ) في جاهليته : @ ونشربها فتتركنا ملوكاً وأُسْداً لا يُنَهنهنا اللقاء @@ وكذا بيعها والانتفاع بثمنها ، وما يربحه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله ، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين ، ولهذا قال الله تعالى : { وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } ، ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتات ، ولم تكن مصرحة بل معرضة ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما قرئت عليه : اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً حتى نزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الآية : 90 ] ، وسيأتي الكلام على ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى وبه الثقة . قال ابن عمر والشعبي ومجاهد : إن هذه أول آية نزلت في الخمر { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، ثم نزلت الآية التي في سورة النساء ، ثم نزلت الآية التي في المائدة فحرمت الخمر . وقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } ، روي أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله : إن لنا أرقاء وأهلين من أموالنا فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } ، وعن ابن عباس : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } قال : ما يفضل عن أهلك ، { قُلِ ٱلْعَفْوَ } يعني الفضل ، وعن طاووس : اليسير من كل شيء ، وعن الربيع : أفضل مالك وأطيبه ، والكل يرجع إلى الفضل ، ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير عن أبي هريرة قال : " قال رجل : يا رسول الله عندي دينار ، قال : " أنفقه على نفسك " ، قال : عندي آخر ، قال : " أنفقه على أهلك " ، قال : عندي آخر ، قال : " أنفقه على ولدك " قال : عندي آخر ، قال : " فأنت أبصر " وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " ، وفي الحديث أيضاً : " ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف " ، ثم قيل : إنها منسوخة بآية الزكاة ، وقيل : مبينة بآية الزكاة وهو أوجه . وقوله تعالى : { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي كما فصل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها ، كذلك يبين لكم سائر الآيات في أحكامه ، ووعده ووعيده لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ، قال ابن عباس : يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها . وقال الحسن : هي والله لمن تفكر فيها ، ليعلم أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء ، وليعلم أن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء . وقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } الآية . قال ابن عباس : لما نزلت { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ الأنعام : 152 ] ، و { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم وبشرابهم . وقالت عائشة رضي الله عنها : إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي على حدة ، حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي فقوله : { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي على حدة ، { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } أي وأن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم فلا بأس عليكم لأنهم إخوانكم في الدين ولهذا قال : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } أي يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح ، وقوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي ولو شاء الله لضيّق عليكم وأحرجكم ، ولكنه وسّع عليكم وخفف عنكم وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ الأنعام : 152 ] بل جوّز الأكل منه للفقير بالمعروف ، إما بشرط ضمان البدل لمن أيسر ، أو مجاناً كما سيأتي بيانه في سورة النساء إن شاء الله وبه الثقة .