Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-223)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } حتى فرغ من الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " ، فبلغ ذلك اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه ، فجاء ( أسيد بن حضير ) و ( عباد بن بشر ) فقالا : يا رسول الله إن اليهود قالت : كذا وكذا أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما . فقوله : { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } يعني الفرج لقوله : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " ، ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج ، قال أبو داود عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً . وعن مسروق قال : قلت لعائشة : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن . وروى ابن جرير عن عائشة قالت : له ما فوق الإزار ، ( قلت ) : ويحل مضاجعتها ومواكلتها بلا خلاف . قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض ، وكان يتكىء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن ، وفي الصحيح عنها قالت : كنت أتعرق العرق وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه ، وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه . وقال آخرون : إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار كما ثبت في الصحيحين عن ميمونة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : " ما فوق الإزار " ولأبي داود عن معاذ بن جبل قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال : " ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل " " . فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها ، وهو أحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله ، الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم ، ومأخذهم أنه حريم الفرج فهو حرام ، لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عزّ وجلّ ، الذي أجمع العلماء على تحريمه ، وهو المباشرة في الفرج ، ثم من فعل ذلك فقد أثم فيستغفر الله ويتوب إليه ، وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا ؟ فيه قولان ، ( أحدهما ) : نعم ، لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، يتصدق بدينار أو نصف دينار . وللإمام أحمد أيضاً عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض تصاب ديناراً فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار ، ( والقول الثاني ) : وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي وقول الجمهور : أنه لا شيء في ذلك ، بل يستغفر الله عزّ وجلّ ، لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث ، فإنه قد روي مرفوعاً كما تقدم وموقوفاً ، وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث . فقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } تفسير لقوله : { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجوداً ومفهومه حله إذا انقطع . وقوله تعالى : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال ، وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } ، وليس له في ذلك مستند لأن هذا أمر بعد الحظر ، وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم . إن تعذر ذلك عليها بشرطه ، إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض هو عشرة أيام عنده إنها تحل بمجرد الانقطاع ، ولا تفتقر إلى غسل والله أعلم . وقال ابن عباس : { حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } أي من الدم { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي بالماء ، وكذا قال مجاهد وعكرمة . وقوله تعالى : { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } قال ابن عباس : في الفرج ولا تَعَدَّوه إلى غيره ، فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى ، وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة : { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } أي أن تعتزلوهن ، وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر كما سيأتي قريباً إن شاء الله ، وقال الضحاك : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } يعني طاهرات غير حيّض ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } أي من الذنب وإن تكرر غشيانه ، { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } أي المتنزهين عن الأقذار والأذى ، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى . وقوله تعالى : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } قال ابن عباس : الحرث موضع الولد ، { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد ، كما ثبتت بذلك الأحاديث . قال البخاري : عن جابر قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ، فنزلت : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } . عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول فأنزل الله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج " وعن ابن عباس قال : أُنزلت هذه الآية { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } في أناس من الأنصار ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ائتها على كل حال إذا كان في الفرج " . قال الإمام أحمد : عن عبد الله بن سابط قال : دخلت على ( حفصة بنت عبد الرحمٰن بن أبي بكر ) فقلت : إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك قالت : فلا تستحي يا ابن أخي ، قال : عن إتيان النساء في أدبارهن ، قالت : حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يُحْبُون النساء وكانت اليهود تقول : إنه من أحبى امرأته كان ولده أحول ، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار ، فأَحْبَوْهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت : لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فسألته أم سلمة فقال : ادعي " الأنصارية " فدعتها ، فتلا عليها هذه الآية : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } " صماماً واحداً " . وعن ابن عباس قال : جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكت ! قال : " ما الذي أهلكك ؟ " قال : حولت رحلي البارحة ، قال : فلم يرد عليه شيئاً ، قال : فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } : " أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة " . وعن نافع قال : قرأت ذات يوم { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } فقال ابن عمر : أتدري فيم نزلت ؟ قالت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن . وهذا الحديث محمول - على ما تقدم - وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها لما روى كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر : إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال : كذبوا عليّ ولكن سأحدثك كيف كان الأمر ، إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } فقال : يا نافع ، هل تعلم من أمر هذه الآية ؟ قلت : لا ، قال : إنا كنا معشر قريش نحبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد ، فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه ، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } ، وهذا إسناد صحيح وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم ، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر ، وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله ، وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة ، بالزجر عن فعله وتعاطيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استحيوا إن الله لا يستحي من الحق ، لا يحل أن تأتوا النساء من حشوشهن " وعن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها . وفي رواية قال : " استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجل أو امرأة في الدبر " وعن عكرمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس وقال : كنت آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } فظننت أن ذلك لي حلال ، فقال : يا لكع إنما قوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره . وقال عمر رضي الله عنه : استحيوا من الله فإنَّ الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن . وعن أبي جويرة قال : سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها فقال : سفلت سفل الله بك ألم تسمع قول الله عزّ وجلّ : { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 80 ] وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر في تحريم ذلك ، وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه . عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري أيحمض لهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكر الدبر فقال : وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ . وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك ، فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم ، وروي معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام . وقال أبو بكر النيسابوري بسنده عن إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس : ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ قال : ما أنتم إلا قوم عرب ، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع ؟ لا تعدوا الفرج ، قلت : يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك ، قال : يكذبون عليَّ يكذبون عليَّ . فهذا هو الثابت عنه ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، وعكرمة ، وطاووس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، ومجاهد بن جبر ، والحسن ، وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار ، ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء . وقوله تعالى : { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات ولهذا قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المطيعين لله فيما أمرهم ، التاركين ما عنه زجرهم ، وقال ابن جرير عن ابن عباس { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } قال : تقول باسم الله التسمية عند الجماع ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً " .