Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 228-228)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا أمر من الله سبحانه تعالى للمطلقات المدخول بهن من ذوات الأقراء ، بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، أي بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت ، وقد أخرج الأئمة الأربعة من هذا العموم الأمة إذا طلقت فإنها تعتد عندهم بقرأين لأنها على النصف من الحرة ، والقرء لا يتبعض فكمل لها قرآن لحديث : " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان " . وقال بعض السلف : بل عدتها كعدة الحرة لعموم الآية ولأن هذا أمر جلي فكان الحرائر والإماء في هذا سواء ، حكي هذا القول عن بعض أهل الظاهر . وروي عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت : طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله عزّ وجلّ حين طلِّقت ( أسماءُ ) العدة للطلاق فكانت أول من نزلت فيها العدة للطلاق يعني : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } . وقد اختلف السلف والخلف والأئمة في المراد بالأقراء ما هو على قولين ، ( أحدهما ) : أن المراد بها ( الأطهار ) وقال مالك في الموطأ عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمٰن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن ، فقالت : صدق عروة ، وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا : إن الله تعالى يقول في كتابه : { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } ، فقالت عائشة : صدقتم وتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار . وعن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] أي في الأطهار ، ولما كان الطهر الذي يطلق فيه محتسباً ، دل على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها ، ولهذا قال هؤلاء : إن المعتدة تنقضي عدتها وتبين من زوجها بالطعن في الحيضة الثالثة ، واستشهد أبو عبيدة وغيره على ذلك بقول الأعشى : @ مورثة مالاً وفي الأصل رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا @@ يمدح أميراً من أُمراء العرب آثر الغزو على المقام حتى ضاعت أيام الطهر من نسائه لم يواقعهن فيها . ( والقول الثاني ) : أن المراد بالأقراء ( الحيض ) فلا تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة الثالثة ، زاد آخرون وتغتسل منها ، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأصح الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل ، وحكى عنه الأثرم أنه قال : الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : الأقراء : الحيض ، وهو مذهب الثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى ، ويؤيد هذا ما جاء في الحديث عن فاطمة بنت أبي حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " دعي الصلاة أيام أقرائك " ، فهذا لو صح لكان صريحاً في أن القرء هو الحيض . وقال ابن جرير : أصل القرء في كلام العرب الوقت ، لمجيء الشيء المعتاد مجيئه في وقت معلوم ، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم ، وهذه العبارة تقتضي أن يكون مشتركاً بين هذا وهذا ، وقد ذهب إليه بعض الأصوليين والله أعلم ، وهذا قول الأصمعي : أن القرء هو الوقت ، وقال أبو عمرو بن العلاء : العرب تسمي الحيض قرءاً ، وتسمي الطهر قرءاً ، وتسمي الطهر والحيض جميعاً قرءاً . وقال ابن عبد البر : لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أن القرء يراد به الحيض ، ويراد به الطهر ، وإنما اختلفوا في المراد من الآية ما هو على قولين . وقوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } أي من حبل أو حيض ، قاله ابن عباس وابن عمر ومجاهد ، وقوله : { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } تهديد لهن على خلاف الحق ، ودل هذا على أن المرجع في هذا إليهن ، لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن ، ويتعذر إقامة البينة غالباً على ذلك فرد الأمر إليهن ، وتوعدن فيه لئلا يخبرن بغير الحق ، إما استعجالاً منها لانقضاء العدة ، أو رغبة منها في تطويلها لما لها في ذلك من المقاصد ، فأمرت أن تخبر بالحق في ذلك من غير زيادة ولا نقصان . وقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً } أي وزوجها الذي طلقها أحق بردها ما دامت في عدتها ، إذا كان مراده بردها الإصلاح والخير ، وهذا من الرجعيات ، فأما المطلقات البوائن فلم يكن حال نزول هذه الآية مطلقة بائن ، وإنما كان ذلك لما حصروا في الطلاق الثلاث ، فأما حال نزول هذه الآية ، فكان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ، فلما قصروا في الآية التي بعدها على ثلاث تطليقات ، صار للناس مطلقة بائن وغير بائن . وقوله تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن ، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف ، كما ثبت عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ، وفي حديث عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا ؟ قال : " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت " وقال ابن عباس : إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله يقول : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } ، وقوله : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } أي في الفضيلة في الخلق والخلق ، والمنزلة وطاعة الأمر ، والإنفاق والقيام بالمصالح ، والفضل في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [ النساء : 34 ] . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي عزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ، حكيم في أمره وشرعه وقدره .