Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-284)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن ، وأنه المطلع على ما فيهن لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقت وخفيت ، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم ، كما قال تعالى : { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 29 ] ، وقال : { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [ طه : 7 ] ، والآيات في ذلك كثيرة جداً ، وقد أخبر في هذه بمزيد على العلم وهو ( المحاسبة ) على ذلك ، ولهذا لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة رضي الله عنهم وخافوا منها ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها ، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم . روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا : يا رسول الله ، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " ، فلما أقرَّ بها القوم وذلَّت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها : { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } [ البقرة : 285 ] ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل قوله : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] إلى آخره ، ورواه مسلم عن أبي هريرة ولفظه : فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] قال : نعم ، { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } [ البقرة : 286 ] ، قال : نعم { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [ البقرة : 286 ] ، قال : نعم { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 286 ] قال : نعم . طريق أخرى : قال ابن جرير عن سعيد بن مرجانة سمعه يحدث أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية : { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } الآية ، فقال : والله لئن واخذنا الله بهذا لنهلكن ، ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه ، قال ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ابن عباس ، فذكرت له ما قال ابن عمر وما فعل حين تلاها فقال ابن عباس : يغفر الله لأبي عبد الرحمٰن ، لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر فأنزل الله بعدها : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] إلى آخر السورة ، قال ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله عزّ وجلّ أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل . طريق أخرى : عن سالم أن أباه قرأ : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } فدمعت عيناه ، فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمٰن لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت فنسختها الآية التي بعدها : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] ، وقد ثبت بما رواه الجماعة في كتبهم الستة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل " . وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله إذا همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحسن أحد إسلامه فإن له بكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله عزّ وجلّ " وقال مسلم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال : " إن الله كتب الحسنات والسيئات - ثم بيَّن ذلك - فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة " وروي عن أبي هريرة قال : " جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، قال : " وقد وجدتموه ؟ " قالوا : نعم ، قال : " ذاك صريح الإيمان " . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة ، قال : " تلك صريح الإيمان " . وروي ابن جرير عن مجاهد والضحّاك أنه قال : هي محكمة لم تنسخ ، واختار ابن جرير ذلك واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة ، وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر ، وقد يحاسب ويعاقب ، بالحديث الذي رواه قتادة عن صفوان بن محرز قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدنو المؤمن من ربه عزّ وجلّ حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول له : هل تعرف كذا ؟ فيقول : رب أعرف مرتين ، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم ، قال : فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد { هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } " .