Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-3)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإيمان في اللغة يُطلق على التصديق المحض كما قال تعالى : { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] ، كما قال إخوة يوسف لأبيهم : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [ يوسف : 17 ] ، وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الشعراء : 227 ] . فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً ، هكذا ذهب أكثر الأئمة وحكاه الشافعي وأحمد إجماعاً : أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص . وقد ورد فيه آثار كثيرة أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة ، ومنهم من فسره بالخشية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } [ الملك : 12 ] ، والخشيةُ خلاصة الإيمان والعلم : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] . وأما الغيب المراد هٰهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه ، فقال أبو العالية : يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وجنته ولقائه ، وبالحياة بعد الموت فهذا غيبٌ كله . وقال السُّدي عن ابن عباس وابن مسعود : الغيبُ ما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن . وقال عطاء : من آمن بالله فقد آمن بالغيب . فكل هذه متقاربة في معنى واحد والجميع مراد . روى ابن كثير بسنده عن عبد الرحمٰن بن يزيد أنه قال : " كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به ، فقال عبد الله : إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بَيِّناً لمن رآه ، والذي لا إلـٰه غيره ما آمن أحدٌ قط إيماناً أفضلَ من إيمانٍ بغيب ، ثم قرأ : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ - إلى قوله - ٱلْمُفْلِحُونَ } . وفي معنى هذا الحديث ما رواه أحمد عن ( ابن محيريزٍ ) قال : قلت لأبي جمعة حدثْنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أحدثك حديثاً جيداً : " تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال يا رسول الله : هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك ، وجاهدنا معك ، قال : نعم ، قومٌ من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " وفي رواية أُخرى عن صالح بن جبير قال : قدم علينا أبو جمعة الأنصاري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس يصلي فيه ومعنا يومئذٍ ( رجاء بن حيوة ) رضي الله عنه ، فلما انصرف خرجنا نشيِّعه فلما أراد الانصراف قال : إنَّ لكم جائزة وحقاً ، أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : هات رحمك الله ، قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومعنا معاذ ابن جبل عاشر عشرة - فقلنا يا رسول الله : هل من قومٍ أعظم منا أجراً ؟ آمنا بك واتبعناك ، قال : " ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء ؟ بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين ، يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجراً ، أولئك أعظم منكم أجراً " " . وقوله تعالى : { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } قال ابن عباس إقامة الصلاة : إتمامُ الركوع والسجود ، والتلاوة والخشوع ، والإقبال عليها فيها . وقال قتادة : إقامة الصلاة : المحافظة على مواقيتها ووضوئها ، وركوعها وسجودها . وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء ، قال الأعشى : @ لها حارسٌ لا يبرح الدهرَ بيتَها وإن ذبحت صلَّى عليها وزمزما @@ وقال الأعشى أيضاً : @ عَليكِ مثل الذي صليتِ فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً @@ يقول : عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي . وهذا ظهر ؛ ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود بشروطها المعروفة وصفاتها المشهورة . { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } قال ابن عباس : زكاة أموالهم . وقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نفقةُ الرجل على أهله ، وهذا قبل أن تنزل الزكاة . وقال قتادة : فأنفقوا مما أعطاكم الله ، هذه الأموال عوارٍ وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها . واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات . قال ابن كثير : كثيراً ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال ، فإن الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه ، وتمجيده والابتهال إليه ، ودعائه والتوكيل عليه ، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم ، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب ، فكلٌ من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } .