Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 58-59)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لائماً لهم على نكولهم عن الجهاد ، ودخولهم الأرض المقدسة ، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة ، التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل ، وقتال من فيها من العماليق الكفرة ، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا ، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم ، كما ذكره تعالى في سورة المائدة ، ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي ( بيت المقدس ) كما نص على ذلك غير واحد ، وقد قال الله تعالى حاكياً عن موسى : { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا } [ المائدة : 21 ] الآيات . وقال آخرون : هي ( أريحاء ) وهذا بعيد لأنها ليست على طريقهم وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحاء ، وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها ( مصر ) حكاه الرازي في تفسيره ، والصحيح الأول أنها بيت المقدس ، وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام ، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب - باب البلد - { سجداً } أي شكراً لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ، ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال . قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس : { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } أي ركعاً ، وقال الحسن البصري : أُمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم واستبعده الرازي ، وحكي عن بعضهم أن المراد هٰهنا بالسجود الخضوع لتعذر حمله على حقيقته ، وقال السُّدي : عن عبد الله بن مسعود : قيل لهم ادخلوا الباب سجداً فدخلوا مقنعي رؤوسهم أي رافعي رؤوسهم خلاف ما أُمروا . وقوله تعالى : { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } قال ابن عباس : مغفرة استغفروا ، وقال الضحّاك عن ابن عباس { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } قال : قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم ، وقال الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } . وقال : هذا جواب الأمر ، أي إذا فعلتم ما أمرناكم ، غفرنا لكم الخطيئات ، وضاعفنا لكم الحسنات ، وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول ، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جداً عند النصر ، كما روي أنه كان يوم الفتح ( فتح مكة ) داخلاً إليها من الثنية العليا وإنه لخاضع لربه حتى أن عثنونه ليمس مورك رحله شكراً لله على ذلك . وقوله تعالى : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم : " قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة ، فدخلوا يزحفون على أستاههم ، فبدلوا وقالوا حبة في شعرة " وقال الثوري عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } قال : ركعاً من باب صغير ، فدخلوا من قبل أستاههم ، وقالوا حنطة فذلك قوله تعالى : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } . وحاصل ما ذكره المفسِّرون وما دلّ عليه السياق أنهم بدّلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأُمروا أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على أستاههم رافعي رؤوسهم ، وأُمروا أن يقولوا حطة أي أحطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزأوا فقالوا حنطة في شعيرة ، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته ، ولهذا قال : { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } . وقال الضحّاك عن ابن عباس : كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب ، وقال أبو العالية : الرجزُ الغضبُ ، وقال سعيد بن جبير : هو الطاعون ، لحديث : " الطاعون رجز عذاب عُذِّب به من كان قبلكم " .