Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-8)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته . روي عن ابن عباس قال : { طه } يا رجل ، وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة والضحّاك ، وأسند القاضي عياض في كتابه " الشفاء " عن الربيع بن أنَس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى : { طه } يعني طأ الأرض يا محمد { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } ثم قال : ولا يخفى ما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة ، وقوله : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } قال الضحّاك : لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه ، فقال المشركون من قريش : ما أنزل هذا القرآن على محمد إلاّ ليشقى ، فأنزل الله تعالى : { طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } فليس الأمر كما زعمه المبطلون ، بل من آتاه العلم فقد أراد به خيراً كثيراً ، كما ثبت في " الصحيحين " عن معاوية قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني ، عن ثعلبة بن الحكم ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده ، إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلاّ وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي " وقال مجاهد في قوله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } هي كقوله : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة . وقال قتادة : لا والله ما جعله شقاء ولن جعله رحمة ونوراً ، ودليلاً إلى الجنة { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } أن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه ، وقوله : { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك ، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها ، وخلق السماوات العلى في ارتفاعها ولطافتها ، وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره ، أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبعد ما بينها ، والتي تليها مسيرة خمسمائة عام . وقوله تعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } المسلك الأسلم طريقة السلف ، وهو إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنّة من غير تكييف ولا تحريف ، ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل ، وقوله : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } أي الجميع ملكه وفي قبضته ، وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه ، وهو خالق ذلك ومالكه ، وإلٰهه لا إلٰه سواه ، وقوله { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } قال محمد بن كعب : أي ما تحت الأرض السابعة ، { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلى الذي يعلم السر وأخفى ، كما قال تعالى : { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان : 6 ] ، قال ابن عباس { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } قال : السر ما أسره ابن آدم في نفسه ، { وَأَخْفَى } ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه ، فالله يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك ، وما بقي علم واحد ، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة ، وهو قوله : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] . وقال الضحّاك { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } قال : السر ما تحدث به نفسك ، وأخفى ما لم تحدث نفسك به بعد . وقال سعيد بن جبير : أنت تعلم ما تسر اليوم ، ولا تعلم ما تسر غداً ، والله يعلم ما تسر اليوم وما تسر غداً ، وقال مجاهد { وَأَخْفَى } يعني الوسوسة ، وقال أيضاً { وَأَخْفَى } أي ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه ، وقوله : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } : أي الذي أنزل عليك القرآن هو الله الذي لا إلٰه إلاّ هو ذو الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف ولله الحمد والمنة .