Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 30-33)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى منبهاً على قدرته التامة وسلطانه العظيم ، في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات فقال : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي الجاحدون لإلهيته العابدون معه غيره ، ألم يعلموا أن الله هوالمستقل بالخلق المستبد بالتدبير ، فكيف يليق أن يعبد معه غيره أو يشرك به ما سواه ؟ ألم يروا أن السماوات والأرض { كَانَتَا رَتْقاً } أي كان الجميع متصلاً بعضه ببعض متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر ، ففتق هذه من هذه فجعل السماوات سبعاً والأرض سبعاً ، وفصل بين السماء والأرض بالهواء ، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض ، ولهذا قال : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } أي وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئاً فشيئاً عياناً . وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء : @ وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد @@ عن عكرمة قال ، سئل ابن عباس : الليل كان قبل أو النهار ؟ فقال : أرأيتم السماوات والأرض حين كانتا رتقاً هل كان بينهما إلاّ ظلمة ؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار . وروى ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر : أن رجلاً أتاه يسأله عن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ؟ قال : اذهب إلى ذلك الشيخ ، فاسأله ، ثم تعالى فأخبرني بما قال لك ، قال ، فذهب إلى ابن عباس فسأله ، فقال ابن عباس : نعم ، كانت السماوات رتقاً لا تمطر وكانت الأرض رتقاً لا تنبت ، فلما خلق للأرض أهلاً فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات ، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره ، فقال ابن عمر ، قد كنت أقول : ما يعجبني جراءة ابن عباس في تفسير القرآن فالآن علمت أنه قد أوتي في القرآن علماً ، وقال عطية العوفي : كانت هذه رتقاً تمطر فأمطرت وكانت هذه رتقاً لا تنبت فأنبتت ، وقال سعيد بن جبير : كانت السماء والأرض ملتزقتين فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه ، وقال الحسن وقتادة : كانتا جميعاً ففصل بينهما بهذا الهواء ، وقوله { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } أي أصل كل الأحياء . عن أبي هريرة قال ، قلت : يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني ، فأنبئني عن كل شيء ، قال : " " كل شيء خلق من ماء " قال ، قلت : أنبئني عن أمرٍ إذا علمت به دخلت الجنة ؟ قال : " أفش السلام ، وأطعم الطعام ، وصل الأرحام ، وقم بالليل والناس نيام ، ثم ادخل الجنة بسلام " " . وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي جبالاً أرسى الأرض بها وثقلها لئلا تميد بالناس أي تضطرب وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها ، لأنها غامرة في الماء إلاّ مقدار الربع ، فإنه باد للهواء والشمس ليشاهد أهلها السماء ، وما فيها من الآيات الباهرات والحكم والدلالات ، ولهذا قال { أَن تَمِيدَ بِهِمْ } : وقوله { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } أي ثغراً في الجبال يسلكون فيها طرقاً ، من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم ، كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلاً بين هذه البلاد وهذه البلاد ، فيجعل الله فيه فجوة ثغرة ليسلك الناس فيها من هٰهنا إلى هٰهنا ، ولهذا قال : { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ، وقوله { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } أي على الأرض وهي كالقبة عليها ، كما قال : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ] ، وقال : { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ ق : 6 ] ، والبناء هو نصب القبة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس " أي خمسة دعائم وهذا لا يكون إلاّ في الخيام كما تعهده العرب ، { مَّحْفُوظاً } أي عالياً محروساً أن ينال ، وقال مجاهد : مرفوعاً ، وقوله : { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } كقوله : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [ يوسف : 105 ] أي لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم والارتفاع الباهر ، وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها ، من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله في يوم وليله ، فتسير غاية لا يعلم قدرها إلاّ الله ، الذي قدّرها وسخّرها وسيّرها ، ثم قال منبهاً على بعض آياته { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي هذا في ظلامه وسكونه ، وهذا بضيائه وأنسه ، يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى وعكسه الآخر ، { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } هذه لها نور يخصها وحركة وسير خاص . وهذا بنور آخر وفلك آخر وسير آخر وتقدير آخر ، { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي يدورون . قال ابن عباس : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة ، قال مجاهد : فلا يدور المغزل إلاّ بالفلكة ولا الفلكة إلاّ بالمغزل ، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلاّ به ولا يدور إلاّ بهن ، كما قال تعالى : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] .