Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 44-47)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المشركين إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال : أنهم متعوا في الحياة الدنيا ونعّموا . وطال عليهم العمر فيما هم فيه ، فاعتقدوا أنهم على شيء ؛ ثم قال واعظاً لهم : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } اختلف المفسرون في معناه ، وقد أسلفناه في سورة الرعد ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأحقاف : 27 ] ، وقال الحسن البصري يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر . والمعنى : أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه ؟ وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين ؟ ولهذا قال : { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } يعني بل هم المغلوبون الأخسرون الأرذلون ، وقوله : { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } أي إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال ، ليس ذلك إلاّ عما أوحاه الله إليَّ ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه ، ولهذا قال : { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } ، وقوله : { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } ، أي ولئن مسَّ هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ، ليعترفن بذنوبهم وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في الدنيا ، وقوله : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } أي ونضع الموازين العدل ليوم القيامة ، الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه ، وقوله : { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } ، كما قال تعالى : { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] ، وقال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] ، وقال لقمان : { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 16 ] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمٰن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عزَّ وجلَّ يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ قال : لا يا رب ، قال : أفلك عذر أو حسنة ؟ قال : فبهت الرجل ، فيقول : لا يا رب ، فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، فيقول : أحضروه ، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول : إنك لا تظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، قال : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، قال : ولا يثقل شيء مع بسم الله الرحمٰن الرحيم " ، وقال الإمام أحمد ، عن عائشة ، " أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال : يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني ، وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك " ، فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما له لا يقرأ كتاب الله { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } فقال الرجل : يا رسول الله ما أجد شيئاً خيراً من فراق هؤلاء - يعني عبيدة - إني أشهدك أنهم أحرار كلهم " .