Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-2)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً عباده بتقواه ، ومخبراً لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وأحوالها ، وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة ، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة ، أو ذلك عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم ، كما قال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 1 - 2 ] ، وقال تعالى : { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [ الحاقة : 14 - 15 ] الآية ، فقال قائلون : هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا وأول أحوال الساعة ، عن علقمة في قوله : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } قال : قبل الساعة . وعن عامر الشعبي قال : هذا في الدنيا قبل يوم القيامة ، وقد أورد الإمام ابن جرير في حديث الصور عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض ، خلق الصور فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ، ينتظر متى يؤمر " قال أبو هريرة : " يا رسول الله ! وما الصور ؟ قال : " قرن " ، قال : فكيف هو ؟ قال : " قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } ، فتسير الجبال فتكون تراباً ، وترج الأرض بأهلها رجاً وهي التي يقول الله تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } ، فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها ، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، فيمتد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع وتضع الحوامل ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً ، وهي التي يقول الله تعالى : { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } . فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الأرض من قطر إلى قطر ورأوا أمراً عظيماً ، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وقمرها وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " ، قال أبو هريرة : فمن استثنى الله حين يقول : { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ } قال : " أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ووقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } " وهذا الحديث دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة . أضيفت إلى الساعة لقربها منها ، كما يقال أشراط الساعة ونحو ذلك والله أعلم . وقال آخرون : بل ذلك هول وفزع وزلزال كائن يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور ، واختار ذلك ابن جرير ، واحتجوا بأحاديث . ( الحديث الأول ) : عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } إلى قوله { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } قال : نزلت عليه هذه الآية وهو في سفر فقال : " " أتدرون أي يوم ذلك " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار ، قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة " ، فأنشأ المسلمون يبكون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية ، قال فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين ، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير " ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " ، فكبروا ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " ، فكبروا ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " ، فكبروا ، ثم قال : ولا أدري أقال الثلثين أم لا ؟ " . ( الحديث الثاني ) : قال البخاري عند تفسير هذه الآية ، عن أبي سعيد الخدري قال ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك ربنا وسعديك ، فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعون ، فحينئذٍ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } " فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد ، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فكبرنا ، ثم قال : ثلث أهل الجنة ، فكبرنا ، ثم قال : شطر أهل الجنة " فكبرنا " . ( الحديث الثالث ) : عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " إنكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة غرلاً " قالت عائشة : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ، قال : " يا عائشة إن الأمر أشد من أن يهمهم ذاك " " . ( الحديث الرابع ) : عن عائشة قالت ، قلت : يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟ قال : " يا عائشة أما عند ثلاث فلا ، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا ، وأما عند تطاير الكتب إما يعطى بيمينه وإما يعطى بشماله فلا ، وحين يخرج عنق من النار فيطوى عليهم ويتغيظ عليهم ويقول ذلك العنق : وكلت بثلاثة ، وكلت بثلاثة ، وكلت بثلاثة ، وكلت بمن ادعى مع الله إلٰهاً آخر ، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب ، ووكلت بكل جبار عنيد - قال : فينطوي عليهم ويرميهم في غمرات جهنم ، ولجهنم جسر أرق من الشعر وأحد من السيف عليه كلاليب وحسك يأخذان من شاء الله ، والناس عليه كالبرق وكالطرف وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب ، والملائكة يقولون : يا رب سلم سلم ، فناج مسلَّم ومخدوش مسلَم ، ومكور في النار على وجهه " والأحاديث في أهوال يوم القيامة والآثار كثيرة جداً لها موضع آخر ، ولهذا قال الله تعالى : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } أي أمر عظيم وخطب جليل ، والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع ، كما قال تعالى : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } [ الأحزاب : 11 ] ، ثم قال تعالى : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا } هذا من باب ضمير الشأن ، ولهذا قال مفسراً له : { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } أي فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها ، والتي هي أشفق عليه تدهش عنه في حال إرضاعها له ، ولهذا قال : { كُلُّ مُرْضِعَةٍ } ولم يقل مرضع ، وقال { عَمَّآ أَرْضَعَتْ } أي عن رضيعها وفطامه ، وقوله { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } أي قبل تمامه لشدة الهول { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } أي من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم ، وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } .