Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 36-36)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : ممتناً على عبيده فيما خلق لهم من البدن وجعلها من شعائره ، وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام بل هي أفضل ما يهدى إله . قال عطاء { وَٱلْبُدْنَ } : البقرة والبعير . وقال مجاهد : إنما البدن من الإبل ، واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين : أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعاً كما صح الحديث ، ثم جمهور العلماء على أنه تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ، كما ثبت عن جابر بن عبد الله قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الأضاحي : البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، وقوله : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } أي ثواب في الدار الآخرة ، لما روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق دم وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فَطِيبُوا بها نفساً " ، وقال سفيان الثوري : كان أبو حازم يستدين ويسوق البدن ، فقيل له : تستدين وتسوق البدن ؟ فقال : إني سمعت الله يقول : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } ، وقال مجاهد { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قال : أجر ومنافع ، وقال إبراهيم النخعي : يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها ، وقوله : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } ، وعن جابر بن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى ، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه ، فقال : " بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " وروى محمد بن إسحاق عن جابر قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد فقال حين وجههما : " { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } { إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } ، " اللهم منك ولك عن محمد وأمته " ، ثم سمَّى وكبر وذبح " . وعن علي بن الحسين عن أبي رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول : " اللهم هذا عن أمتي جميعها من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " ، ثم يُؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ، ثم يقول : " هذا عن محمد وآل محمد " فيطعمهما جميعاً للمساكين ويأكل هو وأهله منهما " وقال الأعمش عن ابن عباس في قوله : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } قال : قياماً على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى يقول : باسم الله والله أكبر لا إلٰه إلا الله ، اللهم منك ولك ، وقال ليث عن مجاهد : إذا عقلت رجلها اليسرى قامت على ثلاث ، وفي " الصحيحين " عن ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنة وهو ينحرها فقال : ابعثها قياماً مقيدة سنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه : كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها . وقال العوفي عن ابن عباس { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يعني نحرت ، وقال ابن أسلم : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } يعني ماتت ؛ وهذا القول هو مراد ابن عباس ومجاهد ، فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها ، وقد جاء في حديث مرفوع : " لا تعجلوا النفوس أن تزهق " ، ويؤيده حديث شداد بن أوس في " صحيح مسلم " : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " وقوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } قال بعض السلف : قوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا } أمر إباحة ، وقال مالك : يستحب ذلك ، وقال غيره يجب ، واختلفوا في المراد بالقانع والمعتر ، فقال ابن عباس : القانع المستغني بما أعطيته وهو في بيته ، والمعتر الذي يعترض لك ويلم بك أن تعطيه من اللحم ولا يسأل ، وكذا قال مجاهد ، وقال ابن عباس : القانع المتعفف ، والمعتر السائل ، وقال سعيد بن جبير : القانع هو السائل ، أما سمعت قول الشماخ : @ لمَالُ المرءِ يصلحه فيغني مفاقرَه أعفُّ من القنوع @@ أي : يغني من السؤال ، وقال زيد بن أسلم : القانع المسكين الذي يطوف ، والمعتر الصديق والضعيف الذي يزور ، واختار ابن جرير : أن القانع هو السائل لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال ، والمعتر من الاعتراء وهو الذي يتعرض لأكل اللحم ، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس : " إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وادخروا ما بدا لكم " ، وفي رواية : " فكلوا وادخروا وتصدقوا " . مسألة عن البراء بن عازب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء " ، فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء : إن أول وقت ذبح الأضاحي إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين ، زاد أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك ، لما جاء في " صحيح مسلم " : وأن لا تذبحوا حتى يذبح الإمام ، وقال أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوها فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر إذ لا صلاة عيد تشرع عنده لهم ، وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام والله أعلم . ثم قيل : لا يشرع الذبح إلا يوم النحر وحده ، وقيل : يوم النحر ويوم بعده للجميع ، وقيل : ويومان بعده ، وبه قال الإمام أحمد ، وقيل : يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده ، وبه قال الشافعي ، لحديث جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيام التشريق كلها ذبح " ، وقوله : { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، يقول تعالى من أجل هذا { سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي ذللناهم لكم وجعلناها منقادة لكم خاضعة إن شئتم ركبتم وإن شئتم حلبتم وإن شئتم ذبحتم { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .