Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 39-40)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس : نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة ، وقال مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف : هذه أول آية نزلت في الجهاد ، وقال ابن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن ، قال ابن عباس : فأنزل الله عزَّ وجلَّ : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ، قال أبو بكر رضي الله عنه : فعرفت أنه سيكون قتال ، زاد أحمد : وهي أول آية نزلت في القتال . وقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته كما قال : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 4 ] ، وقال تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] ، وقال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 142 ] ، وقال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] والآيات في هذا كثيرة ، ولهذا قال ابن عباس في قوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وقد فعل ، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به ، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عدداً ، فلو أمر المسلمون وهم أقل بقتال الباقين لشق عليهم ، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفاً وثمانين قالوا : " يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي ، يعنون أهل منى ليالي منى فنقتلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لم أؤمر بهذا " ، فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، وهموا بقتله وشردوا أصحابه ، فلما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار إسلام ، ومعقلاً يلجئون إليه ، شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك ، فقال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } قال ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمداً وأصحابه ، { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب ، إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له ، كما قال تعالى : { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } [ الممتحنة : 1 ] ، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي لولا أنه يدفع بقوم عن قوم ، ويكف شرور أناس عن غيرهم ، بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض ، ولأهلك القوي الضعيف ، { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ } وهي المعابد للرهبان ، وقال قتادة : هي معابد الصابئين ، وفي رواية عنه : صوامع المجوس ، { وَبِيَعٌ } وهي أوسع منها وهي للنصارى أيضاً ، وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره : أنها كنائس اليهود ، وعن ابن عباس : أنها كنائس اليهود ، وقوله : { وَصَلَوَاتٌ } قال ابن عباس : الصلوات الكنائس ، وكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة : إنها كنائس اليهود وهم يسمونها صلوات ، وحكى السدي عن ابن عباس : أنها كنائس النصارى ، وقال أبو العالية وغيره : الصلوات معابد الصابئين . وقال مجاهد : الصلوات مساجد لأهل الكتاب ، ولأهل الإسلام بالطرق ، وأما المساجد فهي للمسلمين . وقوله : { يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } ، فقد قيل : الضمير في قوله { يُذْكَرُ فِيهَا } عائد إلى المساجد لأنها أقرب المذكورات ، وقال الضحاك : الجميع يذكر فيها الله كثيراً ، وقال ابن جرير : الصواب لهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود وهي كنائسهم ومساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيراً ، لأن هذا هو المستعمل المعروف في كلام العرب . وقال بعض العلماء : هذا تَرَقٍ من الأقل إلى الأكثر إلى أن انتهى إلى المساجد ، وهي أكثر عُمّاراً وأكثر عبَّاداً ، وهم ذوو القصد الصحيح . وقوله : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } ، كقوله تعالى : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد : 7 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } وصف نفسه بالقوة والعزة ، فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وبعزته لا يقهره قاهر ، ولا يغلبه غالب ، بل كل شيء ذليل لديه فقير إليه ، ومن كان القوي العزيز ناصره فهو المنصور ، وعدوه هو المقهور ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] ، وقال تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] .