Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 51-56)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال ، والقيام بالصالح من الأعمال ، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح ، فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام . وجمعوا بين كل خير قولاً وعملاً ودلالة ونصحاً ، فجزاهم الله عن العباد خيراً ، قال الحسن البصري في قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } قال : أمَا والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم ، ولكن قال : انتهوا إلى الحلال منه . وقال سعيد بن جبير والضحاك { كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } : يعني الحلال ، وكان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه ، وفي الصحيح : " " وما من نبي إلا رعى الغنم " قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة " ، وفي الصحيح : " إن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده " ، وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " ؟ ! وقوله : { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد ، وملة واحدة ، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ولهذا قال : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } ، وقوله : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً } أي الأمم التي بعثت إليهم الأنبياء { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون ، ولهذا قال متهدداً لهم ومتوعداً { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ } أي في غيهم وضلالهم { حَتَّىٰ حِينٍ } أي إلى حين هلاكهم ، كما قال تعالى : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] ، وقال تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الحجر : 3 ] . وقوله تعالى : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد ، لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا ، كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ سبأ : 35 ] لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم ، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاء ، ولهذا قال : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } ، كما قال تعالى : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ التوبة : 55 ] الآية ، وقال تعالى : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] ، وقال تعالى : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [ سبأ : 37 ] الآية ، والآيات في هذا كثيرة . وقال قتادة : مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم ، يا ابن آدم فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " قالوا : وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال : " غشمه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيء بالسيء ، ولكن يمحو السيء بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " " .