Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 55-55)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض ، أي أئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم ، وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها ، وأخذ الجزية من مجوس هجر ، ومن بعض أطراف الشام ، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر المقوقس ، وملوك عمان ، والنجاشي ملك الحبشة ، ثم قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق ، فبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس صحبة ( خالد بن الوليد ) رضي الله عنه ، ففتحوا طرفاً منها ، وقتلوا خلقاً من أهلها ، وجيشاً آخر صحبة ( أبي عبيدة ) رضي الله عنه إلى أرض الشام ، وثالثاً صحبة ( عمرو بن العاص ) رضي الله عنه إلى بلاد مصر ، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ، وتوفاه الله عزَّ وجلَّ واختار له ما عنده من الكرامة ، ومنَّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق ، فقام بالأمر بعده قياماً تاماً لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله ، وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس ، وكسر كسرى ، وأهانه غاية الهوان ، وكسر قيصر وانتزع يده عن بلاد الشام وانحدر إلى القسطنطينية ، وأنفق أموالهما في سبيل الله ، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة . ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها ، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص ، وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط ، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين ، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية ، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز ، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جداً ، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان ، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن ؛ ولهذا ثبت في " الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها " فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، فنسأل الله الإيمان به وبرسوله ، والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا . روي الإمام مسلم في " صحيحه " " عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً " ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني ، فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ، قال : " كلهم من قريش " ، وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلاً ، وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر ، فإن كثيراً من أولئك لم يكن لهم من الأمر شيء ؛ فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش يلون فيعدلون ، وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة ، ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين ، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعاً ومتفرقاً ؛ وقد وجد منهم أربعة على الولاء وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ، ثم كانت بعدهم فترة ؛ ثم وجد منهم من شاء الله ، ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى ؛ ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنيته كنيته ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكاً عضوضاً " وقال أبو العالية في قوله : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } الآية ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحواً من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سراً ، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال ، حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموها ، فأمرهم الله بالقتال ، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح ، فصبروا على ذلك ما شاء الله ، ثم إن رجلاً من الصحابة قال : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا ؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن تصبروا إلاّ يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست فيه حديدة " وأنزل الله هذه الآية ، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح ، ثم إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان ، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه ، فأدخل عليهم الخوف ، فاتخذوا الحجزة والشرط وغيَّروا فغيَّر بهم ، وقال البراء بن عازب : نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد ، وهذه الآية الكريمة ، كقوله تعالى : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 26 ] الآية ، وقوله تعالى : { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 129 ] الآية ، وقال تعالى : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 5 ] الآيتين . وقوله تعالى : { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } الآية ، كما " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه : " أتعرف الحيرة ؟ " قال : لم أعرفها ، ولكن قد سمعت بها ، قال : " فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز " قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : " نعم كسرى بن هرمز ، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد " " قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها ، وقال الإمام أحمد عن أبي بن كعب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشِّرْ هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب " ، وقوله تعالى : { يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } ، وفي الحديث : " " يا معاذ بن جبل " قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : " هل تدري ما حق الله على العباد ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " " ، وقوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك ، فقد خرج عن أمر ربه وكفى بذلك ذنباً عظيماً ، فالصحابة رضي الله عنهم لما كانوا أقوم الناس بأوامر الله عزَّ وجلَّ ، وأطوعهم لله كان نصرهم بحسبهم ، أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب ، وأيدهم تأييداً عظيماً ، وحكموا سائر العباد والبلاد ، ولما قصّر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم ، ولكن قد ثبت في " الصحيحين " من غير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة " - وفي رواية " حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " .