Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-9)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة ، وقوله تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } أي هذه آيات القرآن المبين ، أي البيِّن الواضح الجلي ، الذي يفصل بين الحق والباطل والغي والرشاد ، وقوله تعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ } أي مهلك { نَّفْسَكَ } أي مما تحرص وتحزن عليهم { أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } ، وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار ، كما قال تعالى : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ، كقوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ } [ الكهف : 6 ] الآية . قال مجاهد وعكرمة { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } : أي قاتل نفسك ، ثم قال تعالى : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً ، ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلاّ الإيمان الاختياري ، وقال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } [ يونس : 99 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ هود : 118 ] الآية ، فنفذ قدره ومضت حكمته ، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم ، ثم قال تعالى : { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس كما قال تعالى : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] ، وقال تعالى : { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] ، وقال تعالى : { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ } [ المؤمنون : 44 ] الآية . ولهذا قال تعالى هٰهنا : { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق ، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين ، ثم نبَّه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره ، وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم ، من زروع وثمار وحيوان ، قال الشعبي : الناس من نبات الأرض ، فمن دخل الجنة فهو كريم ، ومن دخل النار فهو لئيم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء ، الذي بسط الأرض ، ورفع بناء السماء ومع هذا ما آمن أكثر الناس ، بل كذبوا به وبرسله ، وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، { ٱلرَّحِيمُ } أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ، قال أبو العالية : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره الرحيم بمن تاب إليه وأناب .