Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 62-62)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد ، المرجو عند النوازل ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] ، وقال تعالى : { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] ، وهكذا قال هٰهنا : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } أي من هو الذي لا يلجأ المضطر إلاّ إليه ، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه ؟ قال الإمام أحمد عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من هجيم قال : " قلت يا رسول الله إلام تدعو ؟ قال : " أدعوا إلى الله وحده ، الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك ، والذي إن أضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك ، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك " قال : قلت أوصني ، قال : " لا تسبن أحداً ولا تزهدن في المعروف ، ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، واتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين ، وإياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة " ، وفي رواية أخرى لأحمد عن جابر بن سليم الهجيمي قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه ، فقلت : إيكم محمد رسول الله ؟ فأومأ بيده إلى نفسه ، فقلت : يا رسول الله أنا من أهل البادية وفيَّ جفاؤهم فأوصني ، قال : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط ، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإنه يكون لك أجره وعليه وزره ، وإياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ، ولا تسبن أحداً " قال : فما سببت بعده أحداً ولا شاة ولا بعيراً " وقال وهب بن منبه : قرأت في الكتاب الأول : إن الله تعالى يقول : بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السماوات بمن فيهن ، والأرض بمن فيها ، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً ، ومن لم يعتصم بي ، فإن أخسف به من تحت قدميه الأرض ، فأجعله في الهواء فأكله إلى نفسه . وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل حكى عنه أبو بكر ( محمد بن داود الدينوري ) المعروف بالدقي الصوفي ، قال هذا الرجل : كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني ، فركب معي ذات مرة رجل ، فمررنا على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة ، فقال لي : خذ في هذه فإنها أقرب ، لا خبرة لي فيها ، فقال : بل هي أقرب فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر وواد عميق وفيه قتلى كثيرة ، فقال لي : أمسك رأس البغل حتى أنزل ، فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسل سكيناً معه وقصدني ففرت من بين يديه وتبعني ، فناشدته الله ، وقلت : خذ البغل بما عليه ، فقال : هو لي ، وإنما أريد قتلك ، فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل ، فاستسلمت بين يديه ، وقلت إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين فقال : عجل فقمت أصلي ، فأرتج عليّ القرآن ، فلم يحضرني منه حرف واحد فبقيت واقفاً متحيراً ، وهو يقول : هيه افرغ ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربة ، فرمى بها الرجل ، فما أخطأت فؤاده فخر صريعاً ، فتعلقت بالفارس ، وقلت : بالله من أنت ؟ فقال : أنا رسول الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، قال : فأخذت البغل والحمل ورجعت سالماً . وقوله تعالى : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } أي يخلف قرناً لقرن قبلهم وخلفاً لسلف ، كما قال تعالى : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } [ الأنعام : 133 ] ، وقال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ } [ الأنعام : 165 ] ، وهكذا هذه الآية { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } أي أمة بعد أمة ، وجيلاً بعد جيل ، وقوماً بعد قوم ، ولو شاء لأوجدهم كلهم في وقت واحد ، ولم يجعل بعضهم من ذرية بعض ، بل لو شاء لخلقهم كلهم أجمعين ، كما خلق آدم من تراب ، ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرية بعض ، ولكن لا يميت أحداً حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد لكانت تضيق عنهم الأرض وتضيق عليهم معايشتهم وأكسابهم ويتضرر بعضهم ببعض ، ولكن اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة ، ثم يكثرهم غاية الكثرة ويجعلهم أمماً بعد أمم ، حتى ينقضي الأجل وتفرغ البرية كما قدر ذلك تبارك وتعالى ، وكما أحصاهم وعدهم عداً ، ثم يقيم القيامة ويوفي كل عامل عمله إذا بلغ الكتاب أجله ، ولهذا قال تعالى : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } أي يقدر على ذلك ، أو أإله مع الله بعد هذا ! وقد علم أن الله هو المتفرد بفعل ذلك وحده لا شريك له ؟ { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } أي ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم .