Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 10-13)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر أنه أصبح فارغاً ، أي من كل شيء من أمور الدنيا إلاّ من موسى ، قاله ابن عباس ومجاهد { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } : أي إن كادت من شدة وجدها وحزنها لتظهر أنه ذهب لها ولد ، وتخبر بحالها لولا أن الله ثبتها وصبرها ، قال الله تعالى : { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي أمرت ابنتها وكانت كبيرة تعي ما يقال لها فقالت لها { قُصِّيهِ } أي اتبعي أثره وخذي خبره ، وتطلبي شأنه من نواحي البلد فخرجت لذلك { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } قال ابن عباس : عن جانب ، وقال مجاهد : بصرت به عن بعيد وقال قتادة : جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده ، وذلك أنه لما استقر موسى عليه السلام بدار فرعون ، وأحبته امرأة الملك عرضوا عليه المراضع التي في دارهم ، فلم يقبل ثدياً وأبى أن يقبل شيئاً من ذلك ، فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته ، فلما رأته بأيديهم عرفته ، ولم تظهر ذلك ولم يشعروا بها ، قال الله تعالى : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } أي تحريماً قدرياً وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه ، ولأن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك سبباً إلى رجوعه إلى أمه لترضعه وهي آمنة بعدما كانت خائفة فلما رأتهم حائرين فيمن يرضعه { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } ؟ قال ابن عباس : فلما قالت ذلك أخذوها وشكوا في أمرها ، وقالوا لها : ما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه ؟ فقالت لهم : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في سرور الملك ورجاء منفعته فأرسلوها ، فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم ذهبوا معها إلى منزلهم ، فدخلوا به على أمه ، فأعطته ثديها ، فالتقمه ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وذهب البشير إلى امرأة الملك ، فاستدعت أم موسى ، وأحسنت إليها وأعطتها عطاء جزيلاً وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة ولكن لكونه وافق ثديها ، ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه فأبت عليها وقالت : إن لي بعلاً وأولاداً ولا أقدر على المقام عندك ، ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت ، فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك وأجرت عليها النفقة والصلات والإحسان الجزيل ، فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية ، قد أبدلها الله بعد خوفها أمناً في عز وجاه ورزق دارّ ، ولهذا جاء في الحديث : " مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها " ، ولم يكن بين الشدة والفرج إلاّ القليل يوم وليلة ، فسبحان من بيده الأمر ، يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجاً ، وبعد كل ضيق مخرجاً ، ولهذا قال تعالى : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } أي به { وَلاَ تَحْزَنَ } أي عليه { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي فيما وعدها من رده إليها وجعله من المرسلين ، وقوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي حكم الله في أفعاله وعواقبها المحمودة ، فربما يقع الأمر كريهاً إلى النفوس وعاقبته محمودة في نفس الأمر ، كما قال تعالى : { فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [ النساء : 19 ] .