Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 56-60)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين ، بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين ، إلى أرض الله الواسعة ، حيث يمكن إقامة الدين ، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم ، ولهذا قال تعالى : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } . عن الزبير بن العوام قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فحيثما أصبت خيراً فأقم " ، ولهذا ما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها ، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك ، فوجدوا خير المنزلين هناك ( أصحمة النجاشي ) ملك الحبشة رحمه الله تعالى ، فآواهم وأيدهم ، ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الباقون إلى المدينة المطهرة ، ثم قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي أينما كنتم يدرككم الموت ، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله فهو خير لكم ، فإن الموت لا بد منه ولا محيد عنه ، ثم إلى الله المرجع والمآب ، فمن كان مطيعاً له جازاه أفضل الجزاء ووافاه أتم الثواب ، ولهذا قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي لنسكننهم منازل عالية في الجنة ، تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها ، من ماء وخمر وعسل ولبن ، يصرفونها ويجرونها حيث شاءوا ، { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً لا يبغون عنها حولاً ، { نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } نعمت هذه الغرف أجراً على أعمال المؤمنين { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي على دينهم وهاجروا إلى الله ، ونابذوا الأعداء ، وفارقوا الأهل والأقرباء ، ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده . وفي الحديث : " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام ، وأطاب الكلام ، وتابع الصلاة والصيام ، وقام بالليل والناس نيام " { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } في أحوالهم كلها في دينهم ودنياهم . ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة ، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا ، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب ، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار ، ولهذا قال تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } أي لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئاً لغد ، { ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } أي الله يقيّض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها ، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض ، والطير في الهواء ، والحيتان في الماء ، قال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ هود : 6 ] ، وروى ابن أبي حاتم " عن ابن عمر قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة ، فجعل يلتقط من التمر ويأكل ، فقال لي : " يا ابن عمر مالك لا تأكل ؟ " قال ، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله ، قال : " لكني أشتهيه وهذا صبح رابعةٍ منذ لم أذق طعاماً ، ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين ؟ " قال فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عزَّ وجلَّ لم يأمرني بكنز الدنيا ، ولا باتباع الشهوات ، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية ، فإن الحياة بيد الله ، ألا وإني لا أكنز ديناراً ولا درهماً ولا أخبأ رزقاً لغد " ، وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سافروا تربحوا ، وصوموا تصحوا واغزوا تغنموا " وقوله : { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي السميع لأقوال عباده { ٱلْعَلِيمُ } بحركاتهم وسكناتهم .