Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 102-103)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عن عبد الله بن مسعود : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، وروي مرفوعاً عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقو الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " وروي عن أَنَس أنه قال : لا يتقي اللَّهَ العبدُ حق تقاته حتى يخزن لسانه ، وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . وقوله تعالى : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } ، أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم ، لتموتوا عليه ، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه ، أنه من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، فعياذاً بالله من خلاف ذلك . روى الإمام أحمد عن مجاهد : أن الناس كانوا يطوفون بالبيت وابن عباس جالس معه محجن ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم ، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم " وقال الإمام أحمد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " وفي الحديث الصحيح عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عزّ وجلّ " وعن أنَس قال : " كان رجل من الأنصار مريضاً فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فوافقه في السوق فسلم عليه ، فقال له : " كيف أنت يا فلان " ؟ قال بخير يا رسول الله أرجو الله وأخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف " " . وقوله تعالى : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } قيل : { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ آل عمران : 112 ] أي بعهد وذمة ، وقيل : { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن : " هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم " . وروى ابن مردويه عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا القرآن هو حبل الله المتين ، وهو النور المبين ، وهو الشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه " . وقوله تعالى : { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة ، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق ، والأمر بالاجتماع والائتلاف ، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويسخط لكم ثلاثاً : يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ، ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاَّه الله أمركم ، ويسخط لكم ثلاثاً : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " . وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } إلى آخر الآية ، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج ، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ، وعداوة شديدة وضغائن ، وإحن ، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم ، فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخواناً متحابين بجلال الله ، متواصلين في ذات الله ؛ متعاونين على البر والتقوى . قال الله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [ الأنفال : 62 - 63 ] إلى آخر الآية . وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان . وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين ، فعتب من عتب منهم ، بما فضَّل عليهم في القسمة بما أراده الله ، فخطبهم فقال : " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ! ! وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ! وعالة فأغناكم الله بي ! ؟ " فكلما قال شيئاً قالوا : الله ورسوله أمنُّ . وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : أن هذه الآية نزلت في شأن ( الأوس والخزرج ) ، وذلك أن رجلاً من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة ، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل ، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ونادوا بشعارهم ، وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول : " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ " وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا ، وألقوا السلاح رضي الله عنهم .