Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-112)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم ، قال البخاري : عن أبي هريرة رضي الله عنه : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ، قال : خير الناس ، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ، والمعنى : أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس ، ولهذا قال : { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، قال الإمام أحمد : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : " خير الناس أقرأهم وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم " وعن ابن عباس في قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة . والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه ، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، كما قال في الآية الأخرى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] أي خياراً { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] الآية . وفي مسند أحمد وجامع الترمذي من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجلّ " ، وهو حديث مشهور ، وقد حسنَّه الترمذي ، وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات ، بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله ، وبعثه الله بشرع كامل عظيم ، لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل ، فالعمل على منهاجه وسبيله ، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه ، وفي الحديث : " وجعلت أمتي خير الأمم " . وقد وردت أحاديث يناسب ذكرها هٰهنا : عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، فاستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً " ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافات البوادي . حديث آخر : قال الإمام أحمد ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " عرضت عليّ الأمم بالموسم فراثت عليّ أمتي ، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم ، قد ملؤا السهل والجبل ، فقال : أرضيت يا محمد ؟ فقلت : نعم ! قال : فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " ، فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : " أنت منهم " ، فقام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : " سبقك بها عكاشة " " . حديث آخر : قال الطبراني ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب ولا عقاب " ، قيل : من هم ؟ قال : " هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " " . حديث آخر : ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة حدثه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " يدخل الجنة من أمتي زمرة وهم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " ، قال أبو هريرة : فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه ، فقال : يا رسول الله : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعله منهم " ، ثم قام رجل من الأنصار فقال مثله ، فقال : " سبقك بها عكاشة " " . حديث آخر : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ؛ فقيل لي هذا موسى وقومه ، ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ومعهم وسبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب " ، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما الذي تخوضون فيه ؟ " فأخبروه ، فقال : " هم الذي لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " ، فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : " أنت منهم " ، ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : " سبقك بها عكاشة " " . حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر بن عاصم في كتاب السنن ، عن محمد بن زياد : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً ، مع كل ألف سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي عزّ وجلّ " . حديث آخر : قال أبو القاسم الطبراني : عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ربي عزّ وجلّ وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب ، ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفاً ، ثم يحثي ربي عزّ وجلّ بكفيه ثلاث حثيات " فكبر عمر وقال : إن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم ، وأرجو أن يجعلني الله في إحدى الحثيات الأواخر . قال الحافظ المقدسي في كتابه صفة الجنة : لا أعلم لهذا الإسناد علة ، والله أعلم . حديث آخر : قال الإمام أحمد : عن عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد - أو قال بقديد - فذكر حديثاً وفيه ثم قال : " وعدني ربي عزّ وجلّ أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب ، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة " ، قال الضياء : وهذا عندي على شرط مسلم . حديث آخر : قال عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنَس عن أنَس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف " ، قال أبو بكر رضي الله عنه . زدنا يا رسول الله ، قال : " والله هكذا " ، قال عمر : حسبك يا أبا بكر ، فقال أبو بكر : دعني وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا . قال عمر : إن الله إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق عمر " هذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به عبد الرزاق . قال الضياء : وقد رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني عن قتادة عن أنَس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي مائة ألف " ، فقال أبو بكر : يا رسول الله زدنا ، قال : " وهكذا " ، وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك ، قلت : يا رسول الله زدنا ، فقال عمر : إن الله قادر على أن يدخل الناس الجنة بحفنة واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق عمر " ، هذا حديث غريب من هذا الوجه . حديث آخر : عن أنَس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً " ، قالوا : زدنا يا رسول الله ، قال : " لكل رجل سبعون ألفاً " ، قالوا : زدنا ، وكان على كثيب ، فقالوا : فقال : " هكذا " وحثا بيديه ، قالوا : يا رسول الله : أَبْعد اللَّهُ من دخل النار بعد هذا " " . ومن الأحاديث الدالة على فضيلة هذه الأمة وشرفها وكرامتها على الله عزّ وجلّ ، وأنها خير الأمم في الدنيا والآخرة ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : " قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة " فكبرنا ، ثم قال : " أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فكبرنا ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة " " . حديث آخر : قال الإمام أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة عشرون ومائة صف . هذه الأمة من ذلك ثمانون صفاً " . حديث آخر : قال الطبراني عن أبي هريرة " لما نزلت : { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم ربع أهل الجنة ، أنتم ثلث أهل الجنة ، أنتم نصف أهل الجنة ، أنتم ثلثا أهل الجنة " " . حديث آخر : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولاً الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، الناس لنا فيه تبع ، غداً لليهود ، وللنصارى بعد غد " . فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح ، كما قال قتادة : بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها رأى من الناس دَعَة ، فقرأ هذه الآية : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ، ثم قال : ( من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها ) ، رواه ابن جرير ، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [ المائدة : 79 ] الآية ، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات ، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم ، فقال تعالى : { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } أي بما أنزل على محمد ، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان . ثم قال تعالى مخبراً عباده المؤمنين ، ومبشراً لهم : أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى : { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ، هكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم ، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة ( بني قينقاع ) وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم الله ، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن ، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين ، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك ، ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام . ثم قال تعالى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، أي ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يؤمنون { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي بذمة من الله وهو عقد الذمة لهم ، وضربت الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة ، { وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة ، قال : ابن عباس : { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } أي بعهد من الله وعهد من الناس ، وقوله : { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي ألزموا ، فالتزموا بغضب من الله وهم يستحقونه ، { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ } أي ألزموها قدراً وشرعاً ، ولهذا قال : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد ، فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبداً متصلاً بذل الآخرة . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله - وقُيِّضوا لذلك - أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله والغشيان لمعاصي الله والاعتداء في شرع الله ، فعياذاً بالله من ذلك ، والله عزّ وجلّ المستعان .