Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-15)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين ، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد ، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد ، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه ، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه ، وأن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ، إن نظر إليها سرَّته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " وقوله في الحديث الآخر : " حبّب إليَّ النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " . وحبُّ البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا ، وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له ، فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " وحب المال كذلك ، تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء فهذا مذموم ، وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات فهذا ممدوح محمود شرعاً ، وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال ، وحاصلها : أنه المال الجزيل كما قاله الضحاك وغيره ، وقيل : ألف دينار ، وقيل : ألف ومائتا دينار ، وقيل : اثنا عشر ألفاً ، وقيل : أربعون ألفاً ، وقيل : ستون ألفاً ، وقيل : غير ذلك . وحب الخيل على ثلاثة أقسام : تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزواً عليها ، فهؤلاء يثابون وتارة تربط فخراً ونِواء لأهل الإسلام فهذه على صاحبها وزر . وتارة للتعفف واقتناء نسلها ولم ينس حق الله في رقابها فهذه لصاحبها ستر ، كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } [ الأنفال : 60 ] الآية ، وأما المسوّمة : فعن ابن عباس رضي الله عنهما المسومة الراعية ، والمطهمة الحسان ، وقال مكحول : المسومة الغرة والتحجيل ، وقيل : غير ذلك . وقوله تعالى : { وَٱلأَنْعَامِ } يعني الإبل والبقر والغنم ، { وَٱلْحَرْثِ } يعني الأرض المتخذة للغراس والزراعة . وقال الإمام أحمد عن سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير مال امرىء له مهرة مأمورة ، أو سكة مأبورة " المأمورة الكثيرة النسل ، والسكة النخل المصطف ، والمأبورة الملقحة . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة ، { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } أي حسن المرجع والثواب ، قال عمر بن الخطاب : لما نزلت { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } قلت : الآن يا رب حين زينتها لنا ، فنزلت : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا } الآية ، ولهذا قال تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } أي قل : يا محمد للناس أؤخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا ، من زهرتها ونعيمها الذي هو زائل لا محالة ؟ ثم أخبر عن ذلك فقال : { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك ، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولاً ، { وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا ، { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أي يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً ، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى التي في براءة : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] أي أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم ، ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } أي يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء .