Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 30-32)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : فسدِّدْ وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ، ملة إبراهيم الذي هداك الله لها ، وكملها لك غاية الكمال ، ولازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها ، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده ، وأنه لا إلٰه غيره ، وقوله تعالى : { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } قال بعضهم : معناه لا تبدلوا خلق الله ، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها ، فيكون خبراً بمعنى الطلب ، كقوله تعالى : { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [ آل عمران : 97 ] وهو معنى حسن صحيح ، وقال آخرون هو خبر على بابه ، ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة ، ولا تفاوت بين الناس في ذلك ، ولهذا قال ابن عباس { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } أي لدين الله ، وقال رسول الله صلى الله عليه سلم : " ما من مولود يولد إلاّ على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " ثم يقول : { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } . وروى الإمام أحمد عن الأسود بن سريع قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه ، فأصبت ظفراً . فقاتل الناس يومئذٍ حتى قتلوا الولدان ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية " ؟ فقال رجل : يا رسول الله أما هم أبناء المشركين ؟ فقال : لا إنما خياركم أبناء المشركين ، ثم قال : لا تقتلوا ذرية ، لا تقتلوا ذرية ، وقال : كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها " ، وعن جابر بن عبد الله قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكراً وإما كفوراً " . وروى الإمام أحمد عن عياض بن حمار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته : " إن ربي عزَّ وجلَّ أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما عملني في يومي هذا : كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ، ثم إن الله عزَّ وجلَّ نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب ، وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائماً ويقظان ، ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشاً ، فقلت : رب إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة ، قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق فسننفق عليك ، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك . قال : وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف متعفف ذو عيال . قال : وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زِبْر له ، الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلاّ خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلاّ وهو يخادعك عن أهلك ومالك " ، وذكر البخيل والكذاب والشنظير الفحَّاش . وقوله تعالى : { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القيم المستقيم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي فلهذا لا يعرفه أكثر الناس فهم عنه ناكبون ، كما قال تعالى : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] ، وقال تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأَنعام : 116 ] الآية . وقوله تعالى : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } قال ابن جريج : أي راجعين إليه { وَٱتَّقُوهُ } أي خافوه وراقبوه { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } وهي الطاعة العظيمة { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة لا يريدون بها سواه ، قال ابن جرير : مر عمر رضي الله عنه بمعاذ بن جبل ، فقال عمر : ما قوام هذه الأمة ؟ قال معاذ : ثلاث وهن المنجيات : الإخلاص ، وهي الفطرة ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ، والصلاة وهي الملة ، والطاعة وهي العصمة ، فقال عمر صدقت . وقوله تعالى : { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض ؛ كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وسائر أهل الأديان الباطلة مما عدا أهل الإسلام ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } [ الأنعام : 159 ] الآية ، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء باطلة ، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء ، وهذه الأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلاّ واحدة ، وهم أهل السنّة والجماعة المتمسكون بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه ، كما رواه الحاكم في " مستدركه " أنه : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية منهم قال : من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي " .