Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 48-51)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يبين تعالى كيف يخلق السحاب ، الذي ينزل منه الماء ، فقال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } إما من البحر أو مما يشاء الله عزَّ وجلَّ ، { فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ } أي يمده فيكثره وينميه ، ينشىء سحابة ترى في رأي العين مثل الترس ، ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق ، وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالاً مملوءة كما قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } [ الأعراف : 57 ] - إلى قوله - { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] ، وكذلك قال هٰهنا { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } ، قال مجاهد : يعني قطعاً ، وقال الضحاك : متراكماً ، وقال غيره : أسود من كثرة الماء تراه مدلهماً ثقيلاً قريباً من الأرض ، وقوله تعالى : { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } أي فترى المطر وهو القطر ، يخرج من بين ذلك السحاب { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم ، وقوله تعالى : { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } معنى الكلام : أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر ، كانوا قانطين من نزول المطر إليهم ، فلما جاءهم ، جاءهم على فاقة فوقع منهم موقعاً عظيماً ، فبعدما كانت أرضهم مقشعرة هامدة ، أصبحت وقد اهتزت وربت ، وأنبتت من كل زوج بهيج ، ولهذا قال تعالى : { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ } يعني المطر { كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها ، فقال تعالى : { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . ثم قال تعالى : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } ، يقول تعالى : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً } يابسة على الزرع الذي زرعوه ، ونبت وشب واستوى على سوقه { فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } أي قد اصفر وشرع في الفساد { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ } أي بعد هذا الحال { يَكْفُرُونَ } أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم ، كقوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } [ الواقعة : 63 ] - إلى قوله - { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ الواقعة : 67 ] ، قال ابن أبي حاتم عن عبيد الله بن عمرو قال : الرياح ثمانية : أربعة منها رحمة ، وأربعة منها عذاب ، فأما الرحمة : فالناشرات ، والمبشرات ، والمرسلات ، والذاريات ؛ وأما العذاب : فالعقيم ، والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف وهما في البحر ، فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة ، فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحاً للسحاب تلقحه بحمله الماء كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل ، وإن شاء حركه بحركة العذاب ، فجعله عقيماً وأودعه عذاباً أليماً وجعله نقمة على من يشاء من عباده ، فيجعله صرصراً وعاتياً ومفسداً لما يمر عليه ؛ والرياح مختلفة في مهابها ، صبَا ودَبُور وجَنوب وشَمال ، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف ، فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان ، وأخرى تجففه ، وأخرى تهلكه وتعطبه ، وأخرى تسيره وتصلبه ، وأخرى توهنه وتضعفه .