Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 26-27)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى أو لم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ، ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية ، بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به ، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً } [ مريم : 98 ] ، ولهذا قال : { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } أي وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين ، فلا يرون فيها أحداً ممن كان يسكنها ويعمرها ذهبوا منها كأن لم يغنوا فيها ، كما قال : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ } [ النمل : 52 ] ، وقال : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] ، ولهذا قال هٰهنا : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } أي إن في ذهاب أولئك القوم ودمارهم ، وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل ، ونجاة من آمن بهم ، لآيات وعبراً ومواعظ ودلائل { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } أي أخبار من تقدم كيف كان من أمرهم . وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } يبين تعالى لطفه بخلقه وإحسانه إليهم ، في إرساله الماء من السماء أو من السيح ، وهو ما تحمله الأنهار ويتحدر من الجبال ، إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته ، ولهذا قال تعالى : { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } وهي التي لا نبات فيها ، كما قال تعالى : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } [ الكهف : 8 ] ، وأرض مصر رخوة تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطراً لتهدمت أبنيتها فيسوق الله تعالى إليها النيل ، بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة ، فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم ، وطين جديد من غير أرضهم فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود أبداً . روى قيس بن حجاج قال : لما فتحت مصر أتى أهلها ( عمرو بن العاص ) وكان أميراً بها ، فقالوا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلاّ بها ، قال وما ذاك ؟ قالوا إذا كانت ثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذا النيل ، فقال لهم عمرو : إن هذا لا يكون في الإسلام ، إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، فأقاموا والنيل لا يجري حتى هموا بالجلاء ، فكتب ( عمرو ) إلى ( عمر بن الخطاب ) بذلك فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت ، قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل ، فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر ، أما بعد : فإنك إن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك ، قال فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة ، وقد قطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم . ولهذا قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } ، كما قال تعالى : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } [ عبس : 24 - 25 ] الآية ، ولهذا قال هٰهنا : { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } ؟ وقال ابن عباس في قوله { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } قال : هي التي لا تمطر إلاّ مطراً لا يغني عنها شيئاً إلاّ ما يأتيها من السيول ، وقال عكرمة والضحاك : الأرض الجرز التي لا نبات فيها وهي مغبرة ، قلت وهذا كقوله تعالى : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } [ يس : 33 ] الآيتين .