Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 26-27)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدم أن ( بني قريظة ) لما قدمت الأحزاب ، ونزلوا على المدينة نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد ، وكان ذلك بسفارة ( حيي بن أخطب ) لعنه الله دخل حصنهم ، ولم يزل بسيدهم ( كعب بن أسد ) حتى نقض العهد ، وقال له فيما قال : ويحك قد جئتك بعز الدهر ، أتيتك بقريش وأحابيشها ، وغطفان وأتباعها ، ولا يزالون هٰهنا حتى يستأصلوا محمداً وأصحابه ، فقال له كعب : بل والله أتيتني بذل الدهر ، فلم يزل يفتل في الذروة والغارب ، حتى أجابه ، فلما نقضت قريظة وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ساءه وشق عليه وعلى المسلمين جداً ، فلما أيده الله تعالى ونصره ، وكبت الأعداء وردهم خائبين بأخسر صفقة ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيداً منصوراً ، ووضع الناس السلاح ، " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء تلك المرابطة ، في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، إذ تبدى له جبريل عليه الصلاة والسلام متعجراً بعمامة من إستبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج ، فقال : أوضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، قال : لكن الملائكة لم تضع أسلحتها ، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم ، ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة ، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوره ، وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة وكانت على أميال من المدينة وذلك بعد صلاة الظهر ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يصلين أحد منكم العصر إلاّ في بني قريظة " ، فسار الناس فأدركتهم الصلاة في الطريق ، فصلى بعضهم في الطريق ، وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ تعجيل المسير ، وقال آخرون : لا نصليها إلاّ في بني قريظة ، فلم يعنف واحداً من الفريقين ، وتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه ، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم نازلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة ، فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم ( سعد بن معاذ ) سيد الأوس رضي الله عنه ، لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية ، فعند ذلك استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم فيهم ، فلما أقبل وهو راكب على حمار قد وطئوا له عليه جعل الأوس يلوذون به ويقولون : يا سعد إنهم مواليك فأحسن فيهم ، ويرققونه عليهم ويعطفونه ، وهو ساكت لا يرد عليهم ، فلما أكثروا عليه قال رضي الله عنه : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، فعرفوا أنه غير مستبقيهم ، فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا إلى سيدكم " فقام إليه المسلمون ، فأنزلوه إعظاماً وإكراماً واحتراماً له في محل ولايته ليكون أنفذ لحكمه فيهم ، فلما جلس قال له رسول الله صلى الله عليه سلم : " إن هؤلاء وأشار إليهم قد نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت " فقال رضي الله عنه : وحكمي نافذ عليهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، قال : وعلى من في هذه الخيمة ؟ قال : " نعم " ، قال : وعلى من هٰهنا ، وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، فقال رضي الله عنه : إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة " ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخاديد ، فخدت في الأرض وجيء بهم مكتفين ، فضرب أعناقهم ، وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة ، وسبي من لم ينبت منهم مع النساء وأموالهم " ، ولهذا قال تعالى : { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم } أي عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بني إسرائيل ، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديماً طمعاً في اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] فعليهم لعنة الله ، وقوله تعالى : { مِن صَيَاصِيهِمْ } يعني حصونهم ، { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } وهو الخوف لأنهم كانوا مالأوا المشركين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم فانعكس عليهم الحال ، ولهذا قال تعالى : { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } فالذين قتلوا هم المقاتلة ، والأسراء هم الصغار والنساء ، { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } أي جعلها لكم من قتلكم لهم { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } قيل : خيبر ، وقيل : مكة ، وقيل : فارس والروم ، قال ابن جرير : يجوز أن يكون الجميع مراداً { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } .