Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 32-34)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنهن إذا اتقين الله عزَّ وجلَّ كما أمرهن ، فإنه لا يشبهن أحد من النساء ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة ، ثم قال تعالى : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } قال السدي : يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال ، ولهذا قال تعالى : { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي دغل ، { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } قال ابن زيد : قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير ، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ، أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ، وقوله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي إلزمن بيوتكن ، فلا تخرجن لغير حاجة ، ومن الحوائج الشرعية ، الصلاة في المسجد بشرطه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهنَّ تفِلات " ، وفي رواية : " وبيوتهن خير لهن " وروى الحافظ البزار عن أنس رضي الله عنه قال : " جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى ، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قعدت أو كلمة نحوها منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى " ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها " ، وفي الحديث : " صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها " ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية ، وقال قتادة : كانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك ، وقال مقاتل : التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها وذلك التبرج ، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج . وقوله تعالى : { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } نهاهن أولاً عن الشر ثم أمرهن بالخير من إقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده ، وإيتاء الزكاة وهي الإحسان إلى المخلوقين ، { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، وهذا من باب عطف العام على الخاص ، وقوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هٰهنا ، لأنهن سبب نزول هذه الآية ، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً ، روى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وليس المراد أنهن المراد فقط دون غيرهن ، فقد روى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب رضي الله عنه عن ابن عم له قال : " دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن علي رضي الله عنه ، فقالت رضي الله عنها : تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه ؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوباً فقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " قالت : فدنوت منهم فقلت : يا رسول الله وأنا من أهل بيتك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " تنحي فإنك على خير " " . وروى مسلم في " صحيحه " عن يزيد بن حبان قال : " انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن سلمة إلى ( زيد بن أرقم ) رضي الله عنه ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا ، فلا تكلفوا فيه ، ثم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : " أما بعد ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله عزَّ وجلَّ ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم ، قال : كل هؤلاء حرم الصدقة بعده ؟ قال : نعم " والذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } فإن سياق الكلام معهن ، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ } أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسنّة ، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس ، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس ، وعائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أولاهن بهذه النعمة ، فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في فراش امرأة سواها ، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه ، فناسب أن تخصص بهذه المزية ، وأن تفرد بهذه المرتبة العلية ، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية كما تقدم في الحديث : " وأهل بيتي أحق " ، وهذا يشبه ما ثبت في " صحيح مسلم " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال : هو مسجدي هذا " ، فهذا من هذا القبيل ، فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء ، كما ورد في الأحاديث الأخر ، ولكن إذا كان ذاك أُسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتسميته بذلك والله أعلم . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } أي بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة ، وبخبرته أعطاكن ذلك وخصكن بذلك ، قال ابن جرير : واذكروا نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة ، فاشكرن الله تعالى على ذلك واحمدنه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } أي ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آيات الله والحكمة وهي ( السنّة ) خبيراً بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجاً ؟