Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 72-73)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس : يعني بالأمانة ( الطاعة ) عرضها عليهم قبل أن يعرضها على آدم فلم يطقنها ، فقال لآدم : إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها ، فهل أنت آخذ بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فأخذها آدم فحملها ، فذلك قوله تعالى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } وعنه الأمانة ( الفرائض ) عرضها الله على السماوات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا عليه من غير معصية ، ولكن تعظيماً لدين الله أن لا يقوموا بها ، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ، وهو قوله تعالى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } يعني غراً بأمر الله . وهكذا قال مجاهد والضحاك والحسن البصري : إن الأمانة هي الفرائض ، وقال آخرون : هي الطاعة ، وقال أبي بن كعب من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على فرجها ، وقال قتادة : الأمانة الدين والفرائض والحدود ، وقال زيد بن أسلم : الأمانة ثلاثة الصلاة والصوم والاغتسال من الجنابة ؛ وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، وبل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عوقب ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا من وفق الله وبالله المستعان . عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية . { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } قال : عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم ، وحملة العرش العظيم ، فقيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال : قيل لها إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت ، قالت : لا ، ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد التي شدت بالأوتاد ، وذللت بالمهاد ، قال فقيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال ، قيل لها : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت ، قالت : لا ، ثم عرضها على الجبال الشم الشوامخ الصعاب الصلاب ، قال ، قيل لها : هل تحملين الأمانة وما فيها ؟ قالت : وما فيها ؟ قال لها : إن أحسنت جزيت وأن أسأت عوقبت ، قالت : لا . وقال مقاتل بن حيان : إن الله تعالى حين خلق خلقه جمع بين الإنس والجن والسماوات والأرض والجبال ، فبدأ بالسماوات فعرض عليهن الأمانة وهي الطاعة ، فقال لهن أتحملن هذه الأمانة ولَكُنَّ عليَّ الفَضْلُ والكرامة والثواب في الجنة ؟ فقلن : يا رب إنا لا نستطيع هذا الأمر ، وليس بنا قوة ولكنا لك مطيعون ، ثم عرض الأمانة على الأرضين فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة وتقبلنها مني وأعطيكن الفضل والكرامة في الدنيا ؟ فقلن : لا صبر لنا على هذا يا رب ولا نطيق ولكنا لك سامعون مطيعون لا نعصيك في شيء أمرتنا به ، ثم قرب آدم فقال له : أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها ؟ فقال عند ذلك آدم : ما لي عندك ؟ قال : يا آدم إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة ، وإن عصيت ولم ترعها حق رعايتها وأسأت فإني معذبك ومعاقبك وأنزلك النار ، قال : رضيت يا رب ، وتحملها فقال الله عزَّ وجلَّ عند ذلك : قد حملتكها فذلك قوله تعالى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } . وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها أو قال يكفر كل شيء إلا الأمانة ، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له : أدِّ أمانتك فيقول : أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له : أد أمانتك ، فيقول : أنَّى يا رب ، وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال له : أد أمانتك ، فيقول : أنَّى يا رب وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول : اذهبوا به إلى أمه الهاوية ، فيذهب به إلى الهاوية ، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هنالك كهيئتها فيحملها فيضعها على عاتقه ، فيصعد بها إلى شفير جهنم ، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت قدمه فهوى في أثرها أبد الآبدين " قال : والأمانة في الصلاة ، والأمانة في الصوم ، والأمانة في الوضوء ، والأمانة في الحديث ، وأشد ذلك الودائع ، فلقيت البراء فقلت : ألا تسمع ما يقول أخوك عبد الله ؟ فقال : صدق ، ومما يتعلق بالأمانة ما روي عن حذيفة رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما ، وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا " أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنّة ، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر المَجْل كجمر دحرجته على رجلك ، تراه مُنْتَبراً ، وليس فيه شيء قال : ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله قال : فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، حتى يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، حتى يقال : للرجل ما أجلده وأظرفه وأعقله وما في قلبه حبة خردل من إيمان ، ولقد أتى عليّ زمان ، وما أبالي أيكم بايعت إن كان مسلماً ليردنّه عليّ دينه ، وإن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه عليّ ساعيه ، فأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً " وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا ، حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة طِعمة " وقوله تعالى : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ } أي إنما حمّل بني آدم الأمانة وهي التكاليف { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ } وهم الذين يظهرون الإيمان خوفاً من أهله ويبطنون الكفر متابعة لأهله { وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ } وهم الذين ظاهرهم وباطنهم على الشرك بالله ومخالفة رسله ، { وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي وليرحم المؤمنين من الخلق الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله العاملين بطاعته ، { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } .