Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 22-23)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بين تبارك وتعالى أنه الإلٰه الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لا نظير له ولا شريك ، بل هو المستقل بالأمر وحده من غير مشارك ولا منازع ولا معارض ، فقال : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي من الآلهة التي عبدت من دونه ، { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } ، كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [ فاطر : 13 ] ، وقوله تعالى : { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } أي لا يملكون شيئاً استقلالاً ولا على سبيل الشركة { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } أي وليس لله من هذه الأنداد من معين يستظهر به في الأمور ، بل الخلق كلهم فقراء إليه عبيد لديه ، قال قتادة في قوله عزَّ وجلَّ { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } من عون يعينه بشيء ، ثم قال تعالى : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي لعظمته وجلاله وكبريائه ، لا يجترىء أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء ، إلا بعد إذنه له في الشفاعة ، كما قال عزَّ وجلَّ : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] وقال جلَّ وعلا : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } [ النجم : 26 ] ، وقال تعالى : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 28 ] ولهذا ثبت في " الصحيحين " من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم ، وأكبر شفيع عند الله تعالى ، " أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم ، قال : " فأسجد لله تعالى فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ويفتح عليَّ بمحامد لا أحصيها الآن ، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع " " الحديث بتمامه . وقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } ، وهذا أيضاً مقام رفيع في العظمة ، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي ، قال ابن مسعود { فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي زال الفزع عنها ، وقال ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة في قوله عزَّ وجلَّ : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } يقول : خلي عن قلوبهم ، فإذا كان كذلك سأل بعضهم بعضاً : ماذا قال ربكم . فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم ، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا ، ولهذا قال تعالى : { قَالُواْ ٱلْحَقَّ } أي أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } . وقال آخرون : بل معنى قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } يعني المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة ، إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا ، قالوا : ماذا قال ربكم ؟ فقيل لهم : الحق ، وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا ، قال مجاهد { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } كشف عنها الغطاء يوم القيامة ، وقال الحسن : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } يعني ما فيها من الشك والتكذيب ، وقال ابن أسلم { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } يعني ما فيها من الشك قال فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } قال : وهذا في بني آدم - هذا عند الموت - أقروا حين لا ينفعهم الإقرار ، وقد اختار ابن جرير القول الأول أن الضمير عائد على ( الملائكة ) وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه والآثار ، قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في " صحيحه " عن سفيان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحق وهو العلي الكبير ، فيسمعها مسترق السمع ، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بيده فحرفها ونشر بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا ، كذا وكذا ، فيصدّق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يوحي بأمره تكلم بالوحي ، فإذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة - أو قال رعدة - شديدة من خوف الله تعالى ، فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجداً ، فيكون أول من يرفع رأسه ( جبريل ) عليه الصلاة والسلام ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، فيمضي به جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة ، كلما مر بسماء سماء يسأله ملائكتها : ماذا قال ربنا يا جبريل ، فيقول عليه السلام : قال الحق وهو العلي الكبير ، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله تعالى من السماء والأرض " .