Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 34-39)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وآمراً له بالتأسي بمن قبله من الرسل ، ومخبراً له بأنه ما بعث نبياً في قرية إلا كذبه مترفوها واتبعه ضعفاءهم ، كما قال قوم نوح : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] ، وقال الكبراء من قوم صالح : { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ الأعراف : 75 - 76 ] ، وقال تعالى : { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [ الأنعام : 123 ] ، وقال جلَّ وعلا : { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } [ الإسراء : 16 ] ، وقال جلَّ وعلا هٰهنا : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } أي نبي أو رسول { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } وهم أولوا النعمة والحشمة والثروة والرياسة ، قال قتادة : هم جبابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي لا نؤمن به ولا نتبعه ، عن أبي رزين قال : " كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل ، فكتب إليه إنه لم يتبعه أحد من قريش إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم ، قال : فترك تجارته ثم أتى صاحبه ، فقال ؛ دلني عليه ، وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إلامَ تدعو ؟ قال : " أدعو إلى كذا وكذا " قال أشهد أنك رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم : " وما علمك بذلك " ؟ قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم " ، قال : فنزلت هذه الآية : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } ، وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل قال فيها : وسألتك أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم ، فزعمت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل . وقال تبارك وتعالى إخباراً عن المترفين المكذبين : { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي افتخروا بكثرة الأموال والأولاد ، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم واعتنائه بهم ، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة ، وهيهات لهم ذلك ، قال الله تعالى : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 55 - 56 ] ، وقال تبارك وتعالى : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 55 ] ، ولهذا قال عزَّ وجلَّ هاهنا : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } أي يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب ، فيفقر من يشاء ويغني من يشاء ، وله الحكمة التامة البالغة ، والحجة القاطعة الدامغة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ثم قال تعالى : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } أي ليست هذه دليلاً على محبتنا لكم ولا اعتنائنا بكم ، ولهذا قال الله تعالى : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } أي إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمانُ والعمل الصالح { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } أي تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي في منازل الجنة العالية { آمِنُونَ } من كل بأس وخوف وأذى ، ومن كل شر يحذر منه . عن علي رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " إن في الجنة لغرفاً ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها " فقال أعرابي : لمن هي ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لمن طيّب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام " " { وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي يسعون في الصد عن سبيل الله واتباع رسله والتصديق بآياته ، { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي جميعهم مجزيون بأعمالهم فيها بحسبهم ، وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي بحسب ما له في ذلك من الحكمة ، يبسط على هذا من المال كثيراً ، ويضيّق على هذا ويقتر عليه رزقه جداً ، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركه غيره ، كما قال تعالى : { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 21 ] أي كما هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير مدقع وهذا غني موسع عليه ، فكذلك هم في الآخرة ، هذا في الغرفات في أعلى الدرجات ، وهذا في الغمرات في أسفل الدركات ، وأطيب الناس في الدنيا ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه " ، وقوله تعالى : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به ، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبذل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ، كما ثبت في الحديث : " يقول الله تعالى أنفق أُنفق عليك " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنفق بلالاً ، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً " ، وعن حديفة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض يعض الموسر على ما في يده حذار الإنفاق " ، ثم تلا هذه الآية { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } ، وفي الحديث : " شرار الناس يبايعون كل مضطر ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، إن كان عندك معروف فعد به على أخيك ، وإلا فلا تزده هلاكاً إلى هلاكه " ، وقال مجاهد : لا يتأولن أحدكم هذه الآية { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } إذا كان عند أحدكم ما يقيمه فليقصد فيه ، فإن الرزق مقسوم .