Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 51-54)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تبارك وتعالى : ولو ترى يا محمد إذا فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة { فَلاَ فَوْتَ } أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب ، بل أخذوا من أول وهلة ، قال الحسن البصري : حين خرجوا من قبورهم ، وقال مجاهد وقتادة : من تحت أقدامهم ، وعن ابن عباس والضحاك : يعني عذابهم في الدنيا ، وقال عبد الرحمن بن زيد : يعني قتلهم يوم بدر ، والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة وهو الطامة العظمى ، وإن كان ما ذكر متصلاً بذلك ؛ { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ } أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله ورسله كما قال تعالى : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ، ولهذا قال تعالى : { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي وكيف لهم تعاطي الإيمان ، وقد بعدوا عن محل قبوله منهم ، وصاروا إلى الدار الآخرة ، وهي ( دار الجزاء ) لا دار الابتلاء ؟ فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ، ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان ، قال مجاهد : { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } قال : التناول لذلك ، وقال الزهري : التناوش تناولهم الإيمان وهم في الآخرة ، وقد انقطعت عنهم الدنيا ، وقال الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال ، تعاطوا الإيمان من مكان بعيد ، وقال ابن عباس : طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة . وقوله تعالى : { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة ، وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل ، { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } يعني بالظن ، كما قال تعالى : { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } [ الكهف : 22 ] فتارة يقولون شاعر ، وتارة يقولون كاهن ، وتارة يقولون ساحر ، وتارة يقولون مجنون ، إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة ، ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد ، ويقولون { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [ الجاثية : 32 ] قال قتادة ومجاهد : يرجمون بالظن ، لا بعث ولا جنة ولا نار ، وقوله تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما : يعني الإيمان ، وقال السدي : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } وهي التوبة ، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله ، وقال مجاهد : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل ، والصحيح أنه لا منافاة بين القولين فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الآخرة فمنعوا منه . وقوله تعالى : { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } أي كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله ، تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } [ غافر : 85 ] ، وقوله تبارك وتعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ } أي كانوا في الدنيا في شك وريبة فلهذا لم يتقبل منهم الإيمان عند معاينة العذاب ، قال قتادة : إياكم والشك والريبة ، فإن من مات على شك بعث عليه ، ومن مات على يقين بعث عليه .