Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 37-40)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : ومن الدلالة لهم على قدرته تبارك وتعالى العظيمة ، خلق الليل والنهار ، هذا بظلامه وهذا بضيائه ، وجعلهما يتعاقبان ، يجيء هذا فيذهب هذا ، ويذهب هذا فيجيء هذا ، كما قال تعالى : { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } [ الأعراف : 54 ] ، ولهذا قال عزّ وجلّ هٰهنا : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } أي نصرمه منه فيذهب فيقبل الليل ، ولهذا قال تبارك وتعالى : { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } كما جاء في الحديث : " إذا أقبل الليل من هٰهنا وأدبر النهار من هٰهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " هذا هو الظاهر من الآية ؛ وقوله جلّ جلاله : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } في معنى قوله : { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } : قولان : أحدهما : أن المراد مستقرها المكاني ، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب ، وهي أينما كانت فهي تحت العرش ، هي وجميع المخلوقات لأنه سقفها ، فحينئذٍ تسجد وتستأذن في الطلوع كما جاءت بذلك الأحاديث ، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فذلك قوله تعالى : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } " " ، وروى البخاري أيضاً عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } قال صلى الله عليه وسلم : " مستقرها تحت العرش " " وعنه قال : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين غربت الشمس ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عزّ وجلّ ، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها وذلك مستقرها - ثم قرأ - { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } " " والقول الثاني : أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة ، يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكوّر وينتهي هذا العالم إلى غايته ، وهذا هو مستقرها الزماني ، قال قتادة : { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } أي لوقتها ولأجلٍ لا تعدوه ، وقيل : المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مدة لا تزيد عليها ، ثم تنتقل في مطلع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها ، وقرأ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ( والشمس تجري لا مستقر لها ) أي لا قرار لها ولا سكون ، بل هي سائرة ليلاً ونهاراً لا تفتر ولا تقف ، كما قال تبارك وتعالى : { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ } [ إبراهيم : 33 ] أي لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة ، و { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } أي الذي لا يخالف ولا يمانع { ٱلْعَلِيمِ } بجميع الحركات والسكنات ، وقد قدَّر ذلك ووقَّته على منوال ، لا اختلاف فيه ولا تعاكس ، كما قال عزّ وجلّ : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] ، ثم قال جلّ وعلا : { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } أي جعلناه يسير سيراً آخر ، يستدل به على مضي الشهور ، كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار ، كما قال عزّ وجلّ : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } [ البقرة : 189 ] . وقال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } [ يونس : 5 ] الآية ، وقال تبارك وتعالى : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } [ الإسراء : 12 ] ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها ، والقمر له نور يخصه ، وفاوت بين سير هذه وهذا ، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد ، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاء ، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل ، ثم يطول الليل ويقصر النهار ، وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري ، وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلاً قليل النور ، ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة ، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبساً من الشمس ، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة ، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر ، حتى يصير { كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } قال ابن عباس : وهو أصل العذق ، وقال مجاهد { ٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } : أي العذق اليابس ، يعني ابن عباس أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى ، ثم بعد هذا يبديه الله تعالى جديداً في أول الشهر الآخر . وقوله تبارك وتعالى : { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } قال مجاهد : لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه ، وإذا جاء سلطان هذا ذهب هذا ، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا ، وقال الحسن في قوله تعالى : { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } قال : ذلك ليلة الهلال ، وقال الثوري : لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا ضوء هذا ، وقال عكرمة في قوله عزّ وجلّ : { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } يعني أن لكل منهما سلطاناً فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل ، وقوله تعالى : { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } يقول : لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون النهار ، فسلطان الشمس بالنهار ، وسلطان القمر بالليل ، وقال الضحّاك : لا يذهب الليل من هٰهنا حتى يجيء النهار من هٰهنا وأومأ بيده إلى المشرق ، وقال مجاهد : { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } المعنى أنه لا فترة بين الليل والنهار ، بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ ، لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلباً حثيثاً ، وقوله تبارك وتعالى : { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم { يَسْبَحُونَ } أي يدورون في فلك السماء ، قال ابن عباس : في فلكة كفلكة المغزل ، وقال مجاهد : الفلك كحديدة الرحى أو كفلكة المغزل ، لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به .