Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 4-11)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعجبهم من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً ، كما قال عزّ وجلّ : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } [ يونس : 2 ] الآية ، قال جلّ وعلا هٰهنا : { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } أي بشر مثلهم ، وقال الكافرون : { هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } أي أزعم أن المعبود واحد لا إلٰه إلا هو ؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله ، فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم ، فلما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الإلٰه بالوحدانية ، أعظموا ذلك وتعجبوا ، وقالوا : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ } وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين { ٱمْشُواْ } أي استمروا على دينكم ، { وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } ، ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد ، وقوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } قال ابن جرير : إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء ، وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه . ( ذكر سبب نزول هذه الآيات الكريمات ) روى ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم ( أبو جهل ) فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ، ويفعل ويفعل ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث إليه ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل البيت ، وبينهم وبين أبو طالب قدر مجلس رجُل ، قال : فخشي أبو جهل ، لعنه الله ، إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه ، فجلس عند الباب ، فقال له أبو طالب : أي أين أخي ، ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال : وأكثروا عليه من القول ، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية " ، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فقال القوم : كلمة واحدة نعم وأبيك عشراً ، فقالوا : وما هي ؟ وقال أبو طالب : وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " لا إلٰه إلا الله " ، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم ، وهم يقولون : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ونزلت من هذا الموضع إلى قوله : { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } " . وقولهم : { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة ، قال مجاهد و قتادة : يعنون دين قريش ، وقال السدي : يعنون النصرانية ، وقال ابن عباس : { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } يعني دين النصرانية ، قالوا : لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرتنا به النصارى { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } قال مجاهد : كذب ، وقال ابن عباس : تخرص ، وقولهم : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } يعني أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كما قال في الآية الأخرى : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، ولهذا لما قالوا هذا الذي دل على جهلهم وقلة عقلهم ، في استبعادهم إنزال القرآن على الرسول من بينهم ، قال الله تعالى : { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } أي إنما يقولون هذا ، لأنهم ما ذاقوا عذاب الله تعالى ونقمته ، وسيعلمون غِبَّ ما قالوا وما كذبوا به . ثم قال تعالى مبيناً أنه المتصرف في ملكه ، الفعال لما يشاء ، الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده ، وأنَّ العباد لا يملكون شيئاً من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة ، ولهذا قال تعالى منكراً عليهم : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } أي العزيز الذي لا يرام جنابه ، الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد ، وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً * أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 53 - 54 ] الآية ، كما أخبر عزّ وجلّ عن قوم صالح عليه السلام حين قالوا : { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } [ القمر : 25 - 26 ] وقوله تعالى : { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب ، قال ابن عباس : يعني طرق السماء ، وقال الضحاك : فليصعدوا إلى السماء السابعة ، ثم قال عزّ وجلّ : { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } أي هؤلاء الجند المكذبون سيهزمون ويغلبون ، ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين ، وهذه الآية كقوله جلَّت عظمته : { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 44 - 45 ] كان ذلك يوم بدر { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } [ القمر : 46 ] .