Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-4)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب وهو ( القرآن العظيم ) من عنده تبارك وتعالى ، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك كما قال عزّ وجلّ : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 192 ] ، وقال تعالى : { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] ، وقال ها هنا { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ } أي المنيع الجناب { ٱلْحَكِيمِ } أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره ، { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك ، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده ، ولهذا قال تعالى : { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له ، وقال قتادة { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } : شهادة أن لا إلٰه إلا الله ، ثم أخبر عزّ وجلّ عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام ، اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم ، فعبدوا تلك الصور تنزيلاًَ لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ، ليشفعوا لهم عند الله تعالى ، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به ، قال قتادة والسدي : { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهلتيهم : « لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه ، وما ملك » ، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه ، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها ، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له ، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم ، لم يأذن الله فيه ، ولا رضي به ، بل أبغضه ، ونهى عنه كما قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [ النحل : 36 ] ، وقال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] ، وأخبر أن الملائكة التي في السماوات ، كلهم عبيد خاضعون لله ، لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى ، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم ، يشفعون عندهم بغير إذنهم { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } [ النحل : 74 ] تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . وقوله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي يوم القيامة { فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي سيفصل بين الخلائق يوم معادهم ، ويجزي كل عامل بعمله ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } أي لا يرشد إلى الهداية ، من قصده الكذب والافتراء على الله تعالى ، وقلبه كافر بآياته وحججه وبراهينه ، ثم بيَّن تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة ، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى ، فقال تبارك وتعالى : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون ، وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه بل هو محال ، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه كما قال عزّ وجلّ : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 17 ] ، فهذا من باب الشرط ، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم ، وقوله تعالى : { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } أي تعالى وتنزّه وتقدس ، على أن يكون له ولد ، فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي قهر الأشياء ، فدانت له وذلت وخضعت ، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً .