Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 27-31)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] ، وقوله جل وعلا : { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ، ولا انحراف ولا لبس ، بل هو بيان ووضوح وبرهان ، وإنما جعله الله تعالى كذلك ، وأنزله بذلك { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد ، ثم قال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ } أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم ، { وَرَجُلاً سَلَماً } أي سالماً { لِّرَجُلٍ } أي خالصاً لا يملكه أحد غيره ، { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } ؟ أي لا يستوي هذا وهذا ، كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله ، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ؟ فأين هذا من هذا ؟ قال ابن عباس ومجاهد : هذه الآية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص ، ولما كان هذا المثل ظاهراً بيناً جلياً قال : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي على إقامة الحجة عليهم { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي فلهذا يشركون بالله ، وقوله تبارك وتعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } أي إنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة ، وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة ، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدينا من التوحيد والشرك بين يدي الله عزّ وجلّ ، فيفصل بينكم ، ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم ، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين ، ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين ، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة ، فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا ، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة . روي " أنه لما نزلت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزبير رضي الله عنه : يا رسول الله ! أتكرر علينا الخصومة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، قال رضي الله عنه : إن الأمر إذاً لشديد " ، وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : " لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } ، قال الزبير رضي الله عنه : أي رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه " قال الزبير رضي الله عنه : والله إن الأمر لشديد " وفي الحديث : " . أول الخصمين يوم القيامة جاران " وفي " المسند " عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين ينتطحان ، فقال : " أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذر " ، قلت : لا ، قال صلى الله عليه وسلم : " لكن الله يدري وسيحكم بينهما " " وقال الحافظ أبو بكر البزار ، عن أنَس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالإمام الجائر الخائن يوم القيامة فتخاصمه الرعية ، فيفلحون عليه . فيقال له : سدّ ركناً من أركان جهنم " وعن ابن عباس رضي الله عنهما { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهتدي الضال ، والضعيف المستكبر ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يختصم الناس يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد : فتقول الروح للجسد أنت فعلت ، ويقول الجسد للروح : أنت أمرت ، وأنت سولت ، فيبعث الله تعالى ملكاً يفصل بينهما ، فيقول لهما : إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير ، والآخر ضرير ، دخلا بستاناً ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هٰهنا ثماراً ، ولكن لا أصل إليهما ، فقال له الضرير : اركبني فتناوَلها ، فركبه فتناولها ، فأيهما المعتدي ، فيقولان : كلاهما ، فيقول لهما الملك : فإنكما قد حكمتما على أنفسكما ، يعني أن الجسد للروح كالمطية وهو راكبه ، وروى ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية وما نعلم في أي شيء نزلت : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال ، قلنا : من نخاصم ؟ ليس بيننان وبين أهل الكتاب خصومة فمن نخاصم ؟ حتى وقعت الفتنة ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : هذا الذي وعدنا ربنا عزّ وجلّ نختصم فيه ، وقال أبو العالية : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يعني أهل القبلة ، وقال ابن زيد : يعني أهل الإسلام وأهل الكفر ، وقد قدمنا أن الصحيح العموم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .