Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 128-130)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً ومشرعاً من حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة ، وتارة في حال اتفاقه معها ، وتارة في حال فراقه لها ، فالحالة الأولى : ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها ، فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه ، وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها ، ولهذا قال تعالى : { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } . ثم قال : { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } أي من الفراق ، وقوله : { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ } : أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق ، ولهذا لما كبرت ( سودة بنت زمعة ) عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها ، فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة ، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك . ( ذكر الرواية بذلك ) : عن عكرمة عن ابن عباس قال : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ، ففعل ونزلت هذه الآية : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ } الآية . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . وفي الصحيحين عن عائشة قالت : لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة . وعن عروة عن عائشة ، أنها قالت له يا ابن أختي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضاً على بعض في مكثه عندنا ، وكان قلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس ، حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت ، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي هذا لعائشة ، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت عائشة ، ففي ذلك أنزل الله : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } . وروى ابن جرير عن عائشة : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } قالت : هذا في المرأة تكون عند الرجل ، فلعله لا يكون بمستكثر منها ، ولا يكون لها ولد ، ويكون لها صحبة فتقول : لا تطلقني وأنت في حل من شأني ، وفي رواية أخرى عن عائشة : هو الرجل له المرأتان إحداهما قد كبرت والأخرى دميمة وهو لا يستكثر منها فتقول : لا تطلقني وأنت في حل من شأني . وعن ابن سيرين قال : جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب فسأله عن آية فكرهه فضربه بالدرة ، فسأله آخر عن هذه الآية : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } ثم قال مثل هذا فاسألوا : ثم قال : هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . وقال ابن أبي حاتم عن خالد بن عرعرة قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فسأله عن قول الله عزَّ وجلَّ : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ } قال علي : يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها من دمامتها ، أو كبرها ، أو سوء خلقها ، أو قذذها فتكره فراقه ، فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له ، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج . وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار : أن السنّة في هاتين الآيتين اللتين ذكر الله فيهما نشوز الرجل وإعراضه عن امرأته في قوله : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً } إلى تمام الآيتين ، أن المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها ، فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه ، صلح له ذلك وكان صلحها عليه ، كذلك ذكر ( سعيد بن المسيب ) و ( سليمان ) الصلحَ الذي قال الله عزَّ وجلَّ : { فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } وقد ذكر لي أن رافع بن خديج الأنصاري - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - كانت عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة وآثر عليها الشابة ، فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة ، ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ، ثم عاد فآثر عليها الشابة فناشدته الطلاق ، فقال لها : ما شئت إنما بقيت لك تطليقة واحدة ، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة وإن شئت فارقتك ، فقالت : لا بل أستقر على الأثرة ، فأمسكها على ذلك فكان ذلك صلحهما ، ولم ير رافع عليه إثماً حين رضيت أن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها . وقوله تعالى : { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } قال ابن عباس : يعني التخيير ، وهذه هي الحالة الثانية : أن يخير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها ، والظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية ، كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم ( سودة بنت زمعة ) على أن تركت يومها لعائشة رضي الله عنها ، ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه ، وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه ، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام ، ولما كان الوفاق أحب إلى الله من الفراق قال : { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } ، بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى ، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " . وقوله تعالى : { وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } ، وإن تتجشموا مشقة الصبر على ما تكرهون منهن ، وتقسموا لهن أسوة أمثالهن فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء ، وقوله تعالى : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه ، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك . وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عبد الله بن يزيد عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ، يعني القلب . وقوله : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ } أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية { فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ } أي فتبقى هذه الأخرى معلقة ، قال ابن عباس وآخرون : معناه لا ذات زوج ولا مطلقة ؛ وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط " . وقوله تعالى : { وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } أي وإن أصلحتم في أموركم ، وقسمتم بالعدل فيما تملكون ، واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض ، ثم قال تعالى : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً } وهذه هي الحالة الثالثة : وهي حالة الفراق : وقد أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه ، بأن يعوضه الله من هو خير له منها ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه ، { وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً } أي واسع الفضل عظيم المن حكيماً في جميع أفعاله وأقداره وشرعه .