Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-36)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له ، فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الحالات ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : " " أتدري ما حق الله على العباد ؟ " قال الله ورسوله أعلم ، قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " ، ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم " ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين ، فإن الله سبحانه جعلهما سبباً لخروجك من العدم إلى الوجود ، وكثيراً ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين ، كقوله : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [ لقمان : 14 ] ، وكقوله : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] ، ثم عطف على الإحسان إليهما بالإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء كما جاء في الحديث : " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة " . ثم قال تعالى : { وَٱلْيَتَامَىٰ } وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم ، فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم ، ثم قال : { وَٱلْمَسَاكِينِ } وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون من يقوم بكفايتهم ، فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم ، وسيأتي الكلام على الفقير والمسكين في سورة براءة ، وقوله : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } قال ابن عباس : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } يعني الذي بينك وبينه قرابة { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } الذي ليس بينك وبينه قرابة ، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد ، وقال نوف البكالي في قوله : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } يعني الجار المسلم { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } يعني اليهودي والنصراني رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال مجاهد أيضاً في قوله : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } يعني : الرفيق في السفر ، وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار فلنذكر منها ما تيسر وبالله المستعان . ( الحديث الأول ) : قال الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " أخرجه في الصحيحين . ( الحديث الثاني ) : عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " . ( الحديث الثالث ) : قال الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " " ما تقولون في الزنا " ؟ قالوا : حرام حرمه الله ورسوله وهو حرام إلى يوم القيامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بحليلة جاره " ، قال : " ما تقولون في السرقة " ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة ، قال : " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره " " . ( الحديث الرابع ) : قال أبو بكر البزار عن جابر بن عبد الله قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجيران ثلاثة ، جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقاً . وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقاً ، فأما الجار الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له ، له حق الجوار ، وأما الجار الذي له حقان فجار مسلم له حق الإسلام ، وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الجوار . وحق الإسلام ، وحق الرحم " . ( الحديث الخامس ) : روى الإمام أحمد عن عائشة : " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال : " إلى أقربهما منك باباً " ورواه البخاري من حديث شعبة به . وقوله تعالى : { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } عن علي وابن مسعود قالا : هي المرأة ، وقال ابن عباس ومجاهد : هو الرفيق في السفر ، وقال سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح ، وقال زيد بن أسلم : هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر ، وأما ابن السبيل فعن ابن عباس وجماعة هو الضيف ، وقال مجاهد والضحاك ومقاتل : هو الذي يمر عليك مجتازاً في السفر ، وهذا أظهر وإن كان مراد القائل بالضيف المار في الطريق فهما سواء وسيأتي الكلام على أبناء السبيل في سورة براءة وبالله الثقة وعليه التكلان . وقوله تعالى : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وصية بالأرقاء لأن الرقيق ضعيف الحيلة ، أسير في أيدي الناس ، فلهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول : " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه ، وقال الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زووجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة " ورواه النسائي وإسناده صحيح . وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له : هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوتهم " ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه " أخرجاه ، ولفظه للبخاري ولمسلم : " فليقعده معه فليأكل ، فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً ، فليضع في يده أكلة أو أكلتين " وعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم " أخرجاه . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } أي مختالاً في نفسه ، معجباً متكبراً فخوراً على الناس يرى أنه خير منهم ، فهو في نفسه كبير ، وهو عند الله حقير ، وعند الناس بغيض ، قال مجاهد في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } يعني متكبراً ، { فَخُوراً } يعني : بعدما أعطى وهو لا يشكر الله تعالى ، يعني : يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه ، وهو قليل الشكر لله على ذلك ، وقال ابن جرير عن أبي رجاء الهروي : لا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً ، وتلا : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } الآية ، ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً ، وتلا : { وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } [ مريم : 32 ] . وقال مطرف : كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته ، فقلت : يا أبا ذر بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ، قال : أجل ، قلت : من الثلاثة الذين يبغض الله ؟ قال : المختال الفخور أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ، ثم قرأ الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } . قلت : يا رسول الله أوصني قال : " إياك وإسبال الإزار . فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة " .