Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-52)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الحسن وقتادة نزلت هذه الآية - وهي قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } - في اليهود والنصارى حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وفي قولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، وقال مجاهد : كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم ، وقال ابن عباس في قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } وذلك أن اليهود قالوا : إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ويشفعون لنا ويزكوننا ، فأنزل الله على محمد : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } الآية . وقال الضحاك : قالوا ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب ، فأنزل الله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } فيهم ، وقيل : نزلت في ذم التمادح والتزكية ؛ وفي صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب ، وفي الصحيحين عن عبد الله بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يثني على رجل فقال : " ويحك قطعت عنق صاحبك " ثم قال : " إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل أحسبه كذا ولا يزكي على الله أحداً " ، وروى ابن مردويه عن عمر أنه قال : إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ، فمن قال إنه مؤمن فهو كافر ، ومن قال هو عالم فهو جاهل ، ومن قال هو في الجنة فهو في النار ، وقال الإمام أحمد عن معبد الجهني قال : كان معاوية قلما كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكان قلما يكاد يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإن هذا المال حلو خضر ، فمن يأخذه بحقه يبارك فيه ، وإياكم والتمادح فإنه الذبح " وقال ابن جرير قال عبد الله بن مسعود : إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء يلقى الرجل ليس يملك له ضراً ولا نفعاً فيقول له : إنك والله كيت وكيت ، فلعله أن يرجع ولم يحظ من حاجته بشيء وقد أسخط الله ، ثم قرأ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } الآية ولهذا قال تعالى : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } أي المرجع في ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها ، ثم قال تعالى : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل ، قال ابن عباس : هو ما يكون في شق النواة . وقوله تعالى : { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وقولهم : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] ، وقولهم : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] ، واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة ، وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئاً في قوله : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [ البقرة : 134 ، 141 ] الآية ، ثم قال : { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي وكفى بصنيعهم هذا كذباً وافتراء ظاهراً . وقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ } ، أما الجبت فقال عمر بن الخطاب : ( الجبتْ ) السحر ؛ و ( الطاغوت ) الشيطان ، وهكذا روي عن ابن عباس ومجاهد ، وعن ابن عباس وأبي العالية : ( الجبت ) الشيطان ، وعنه : الجبت الأصنام . وعن مجاهد : الجبت كعب بن الأشرف . وقال الجوهري في كتابه الصحاح : الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك ، وفي الحديث : " الطير والعيافة والطرق من الجبت " وقد تقدم الكلام على الطاغوت في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هٰهنا . وقوله تعالى : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم ، وقلة دينهم ، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم ، وقد روى ابن أبي حاتم عن عكرمة ، قال : جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة ، فقالوا لهم : أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا ، وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم وما محمد ؟ فقالوا : نحن نصل الأرحام ، وننحر الكوماء ، ونسقي الماء على اللبن ، ونفك العاني ، ونسقي الحجيج ، ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج من غفار فنحن خير أم هو ؟ فقالوا : أنتم خير وأهدى سبيلاً ، فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً } الآية . وقال الإمام أحمد عن ابن عباس لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش : ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة ، وأهل السقاية ، قال : أنتم خير ، قال : فنزلت : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } [ الكوثر : 3 ] ، ونزل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } إلى قوله عزَّ وجلَّ { وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } [ النساء : 54 ] ، وهذا لعن لهم واخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق فكفى الله شرهم ، { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } [ الأحزاب : 25 ] .