Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 7-10)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال سعيد بن جبير وقتادة : كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئاً فأنزل الله : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الآية . أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى ، يستوون في أصل الوراثة ، وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكل منهم ، بما يدلى به إلى الميت من قرابة ، أو زوجية ، أو ولاء ، فإنه لحمة كلحمة النسب . وروى ابن مردويه عن جابر قال : أتت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء . فأنزل الله تعالى { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الآية . وقوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } الآية . قيل : المراد : وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممن ليس بوارث ، { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ } فليرضخ لهم من التركة نصيب ، وإن ذلك كان واجباً في ابتداء الإسلام ، وقيل : يستحب ، واختلفوا هل هو منسوخ أم لا ؟ على قولين ، فقال البخاري عن ابن عباس : هي محكمة وليست بمنسوخة ، وقال عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } نسختها الآية التي بعدها { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } [ النساء : 11 ] . وروى العوفي عن ابن عباس : كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض ، فأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه ، فجعلت الصدقة فيما سمَّى المتوفى ، وقال ابن أبي حاتم عن عطاء عن ابن عباس في قوله : { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ } نسختها آية الميراث ، فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر . وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمة الأربعة وأصحابهم ، والمعنى : أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل ، فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه ، وإذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم يائسون لا شيء يعطونه ، فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون براً بهم وصدقة عليهم ، وإحساناً إليهم وجبراً لكسرهم ، كما قال الله تعالى : { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] وذم الذين ينقلون المال خفية خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة كما أخبر به عن أصحاب الجنة : { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [ القلم : 17 ] أي بليل ، وقال : { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } [ القلم : 23 - 24 ] فـ { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه . وقوله تعالى : { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ } الآية ، قال ابن عباس : هذا في الرجل يحضره الموت ، فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته ، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب ، فينظر لورثته كما كان يجب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة ؛ وهكذا قال مجاهد وغير واحد ، وثبت في الصحيحين : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده ، قال : يا رسول الله إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ، قال : لا ، قال : فالشطر ؟ قال : لا ، قال : فالثلث قال : " الثلث ، والثلث كثير " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " وفي الصحيح عن ابن عباس قال : لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الثلث ، والثلث كثير " . قال الفقهاء : إن كان ورثة الميت أغنياء استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث ، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث ؛ وقيل : المراد بالآية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً } [ النساء : 6 ] حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلماً ، أي كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك ، فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم ، ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلماً فإنما يأكل في بطنه ناراً ولهذا قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } أي إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنما يأكلون ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة - وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات : قيل : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ؛ وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ؛ وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ؛ والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " وقال السدي : يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه ، يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم ، وقال ابن مردويه عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً " قيل يا رسول الله من هم ؟ قال : ألم تر أن الله قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } الآية . وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحرّج مال الضعيفين : المرأة ، واليتيم " أي أوصيكم باجتناب مالهما .