Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-87)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه ، ومن نكل عنه فلا عليه منه ، ولهذا قال : { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } . عن أبي إسحاق قال ، قلت للبراء : الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال : لا ، إن الله بعث برسوله صلى الله عليه وسلم وقال : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } إنما ذلك في النفقة . وقوله : { وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه ، كما قال لهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو يسوي الصفوف : " قوموا إلى جنة عرضها السمٰوات والأرض " وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك ، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آمن بالله ورسوله ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " . قالوا : يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك ؟ فقال : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ؛ فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة ، وأعلى الجنة ؛ وفوقه عرش الرحمٰن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " " . وقوله تعالى : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء ، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ، ومقاومتهم ومصابرتهم ، وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } [ محمد : 4 ] الآية ، وقوله : { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك ، { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } أي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اشفعوا تؤجروا ؛ ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء " وقال مجاهد بن جبر : نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض . وقوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } قال ابن عباس : أي حفيظاً ، وقال مجاهد : شهيداً ، وفي رواية عنه حسيباً . وقال الضحاك : المقيت الرزاق ، وعن عبد الله بن رواحة : وسأله رجل عن قول الله تعالى : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } قال : مقيت لكل إنسان بقدر عمله . وقوله تعالى : { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة ، قال ابن جرير عن سلمان الفارسي ، قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : " وعليك السلام ورحمة الله " ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته " ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال له : " وعليك " فقال له الرجل : يا نبي الله بأبي أنت وأمي : أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي ؟ فقال : " إنك لم تدع لنا شيئاً ، قال الله تعالى { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } فرددناها عليك " " . وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة [ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ] ، إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الإمام أحمد عن عمران بن حصين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم يا رسول الله فرد عليه ثم جلس ، فقال : " عشر " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله فرد عليه ثم جلس فقال " عشرون " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه ، ثم جلس فقال : " ثلاثون " . وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : من سلّم عليك من خلق الله فاردد عليه ، وإن كان مجوسياً ذلك بأن الله يقول : { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } وقال فأما أهل الذمة فلا يُبدأون بالسلام ولا يزادون بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليكم فقل وعليك " وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " ، وقال الحسن البصري : السلام تطوع والرد فريضة ، وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة أن الرد واجب على من سلم عليه فيأثم إن لم يفعل ، لأنه خالف أمر الله في قوله : { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " . وقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسماً لقوله : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } وهذه اللام موطئة للقسم فقوله الله لا إله إلا هو خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيجازي كل عامل بعمله وقوله تعالى : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .