Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 41-46)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول لهم المؤمن : ما بالي أدعوكم إلى النجاة ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له ، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه { وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } أي على جهل بلا دليل { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } أي هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب إليه { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } يقول : حقاً ، قال ابن جرير : معنى قوله : { لاَ جَرَمَ } : حقاً ، وقال الضحاك { لاَ جَرَمَ } : لا كذب ، المعنى إنّ الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ } قال مجاهد : الوثن ليس له شيء ، وقال قتادة : يعني الوثن لا ينفع ولا يضر . وقال السدي : لا يجيب داعيه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهذا كقوله تبارك وتعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } [ الأحقاف : 5 ] وقوله : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } [ فاطر : 14 ] ، وقوله : { وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ } أي في الدار الآخرة فيجازي كلاً بعمله ، ولهذا قال { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } أي خالدين فيها بإسرافهم وهو شركهم بالله عزّ وجلّ { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ } أي سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه ، ونصحتكم ووضحت لكم ، وتتذكرونه وتندمون حيث لا ينفعكم الندم { وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } أي وأتوكل على الله وأستعينه ، وأقاطعكم وأباعدكم ، { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } أي هو بصير بهم تعالى وتقدس ، فيهدي من يستحق الهداية ، ويضل من يستحق الإضلال ، وله الحجة البالغة ، والحكمة التامة ، والقدر النافذ . وقوله تبارك وتعالى : { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } أي في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فنجاه الله تعالى مع موسى عليه الصلاة والسلام ، وأما في الآخرة فبالجنة ، { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } وهو الغرق في اليم ثم النقلة منه إلى الجيحم ، فإن أرواحهم تعرض على النار صباحاً ومساء إلى قيام الساعة ، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ، ولهذا قال { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } أي أشده ألماً وأعظمه نكالاً ، وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور ، وهي قوله تعالى : { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } . وقد روي عن عائشة رضي الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة من اليهود ، وهي تقول : أشعرت أنكم تفتنون في قبوركم ؟ فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إنما يفتن يهود " ، قالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إنكم تفتنون في القبور " ، قالت عائشة رضي الله عنها : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ، يستعيذ من عذاب القبر " وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها : " أن يهودية دخلت عليها فقالت : نعوذ بالله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن عذاب القبر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم عذاب القبر حق " قالت عائشة رضي الله عنها : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ صلَّى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر " وأحاديث عذاب القبر كثيرة جداً . وقال قتادة { غُدُوّاً وَعَشِيّاً } : صباحاً ومساء ما بقيت الدنيا ، يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم ، توبيخاً ونقمة وصغاراً لهم ، وقال ابن زيد : هم فيها يُغْدى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة ، وقال ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاءوا ، وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت ، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ، وإن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها ، فذلك عرضها ، وفي حديث الإسراء ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : " ثم انطلق بي إلى خلق كثير من خلق الله ، رجال كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم ، مصفدون على سابلة آل فرعون ، وآل فرعون يعرضون على النار غدواً وعيشاً { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } وآل فرعون كالإبل المسومة يخبطون الحجارة والشجر ولا يعقلون " ، وروى ابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إلا أثابه الله تعالى قال ، قلنا : يا رسول الله ! ما إثابة الله الكافر ؟ فقال : " إن كان قد وصل رحماً أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله تبارك وتعالى المال والولد والصحة وأشباه ذلك " . قلنا : فما إثابته في الآخرة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " عذاباً دون العذاب " ، وقرأ { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } " وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة ، فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك عزّ وجل إليه يوم القيامة " .