Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 26-35)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ، ووالد الأنبياء ، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها ، أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان فقال : { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } أي هذه الكلمة وهي { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ الصافات : 35 ] أي جعلها دائمة في ذريته ، يقتدي به فيها من هداه الله تعالى ، من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي إليها ، قال عكرمة ومجاهد { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } يعني لا إلٰه إلا الله ، لا يزال في ذريته من يقولها ، وقال ابن زيد : كلمة الإسلام ، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة ، ثم قال جلّ وعلا : { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ } يعني المشركين { وَآبَآءَهُمْ } فتطاول عليهم العمر في ضلالهم { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أي بَيِّنُ الرسالة والنذارة . { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } أي كابروه وعاندوه كفراً وحسداً وبغياً ، { وَقَالُواْ } أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس ، { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } أي هلاّ كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم ؟ { مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ } يعنون مكّة والطائف ، وقد ذكر غير واحد من السلف أنهم أرادوا بذلك ( الوليد بن المغيرة ) و ( عروة بن مسعود الثقفي ) ، وعن مجاهد : يعنون ( عتبة بن ربيعة ) بمكّة و ( ابن عبد ياليل ) بالطائف ، وقال السدي : عنوا بذلك ( الوليد بن المغيرة ) و ( كنانة بن عمرو الثقفي ) ، والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان ، قال تعالى رداً عليهم في هذا الاعتراض : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } ؟ أي ليس الأمر مردوداً إليهم ، بل إلى الله عزّ وجلّ والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلباً ونفساً ، وأشرفهم بيتاً ، وأطهرهم أصلاً . ثم قال عزّ وجلّ مبيناً أنه قد فاوت بين خلقه ، فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم ، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة فقال : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } الآية . وقوله جلَّت عظمته : { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } أي ليسخّر بعضُهم بعضاً في الأعمال ، لاحتياج هذا إلى هذا وهذا إلى هذا ، ثم قال عزّ وجلّ : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } أي رحمة الله بخلقه ، خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا ، ثم قال سبحانه وتعالى { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة ، أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ } أي سلالم ودرجاً من فضة { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } أي يصعدون { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً } أي أغلاقاً على أبوابهم { وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } أي جميع ذلك يكون فضة { وَزُخْرُفاً } أي وذهباً ، قاله ابن عباس والسدي ، { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي إنما ذلك من الدنيا الفانية ، الزائلة الحقيرة عند الله تعالى ، أي يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها . ثم قال سبحانه وتعالى : { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } أي هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد غيرهم ، ولهذا " لما قال عمر بن الخطّاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه على رمال حصير ، قد أثر بجنبه ، فابتدرت عيناه بالبكاء ، وقال : يا رسول الله ! هذا كسرى وقيصر فيما هم فيه ، وأنت صفوة الله من خلقه ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال : " أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ " ثم قال صلى الله عليه وسلم : " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا " " ، وفي رواية : " أما ترى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " ، وفي " الصحيحين " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " وإنما خوَّلهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء أبداً " " .