Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 51-59)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر السعداء ، ولهذا سمي القرآن مثاني ، فقال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي لله في الدنيا { فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } أي في الآخرة ، وهو الجنة وقد أمنوا فيها من الموت والخروج ، ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب ، ومن الشيطان وكيده وسائر الآفات والمصائب { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجرة الزقوم وشرب الحميم ، وقوله تعالى : { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ } وهو رفيع الحرير ، كالقمصان ونحوها ، { وَإِسْتَبْرَقٍ } وهو ما فيه بريق ولمعان ، وذلك كالريش ما يلبس على أعالي القماش { مُّتَقَابِلِينَ } أي على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره ، وقوله تعالى : { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمٰن : 56 ] { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } [ الرحمٰن : 58 ] روى ابن أبي حاتم ، عن أنس رضي الله عنه رفعه قال : لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك الماء لعذوبة ريقها ، وقوله عزّ وجلّ : { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } أي مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم ، وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر إليهم كلما أرادوا ، وقوله : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } ، هذا استثناء يؤكد النفي ، ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً ، كما ثبت في " الصحيحين " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت . ويا أهل النار خلود فلا موت " " وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً " " . وقوله تعالى : { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أي مع هذا النعيم العظيم المقيم ، قد وقاهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم ، في دركات الجحيم ، ولهذا قال عزّ وجل : { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي إنما كان هذا بفضله عليهم ، وإحسانه إليهم ، كما ثبت في الصحيح " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً لن يدخله عمله الجنة " ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ولا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " " وقوله تبارك وتعالى : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلاً واضحاً بيناً جلياً بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي يتفهمون ويعملون ، ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان ، من الناس من كفر وخالف وعاند ، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مسلياً له وواعداً له بالنصر ، ومتوعداً لمن كذبه بالعطف والهلاك { فَٱرْتَقِبْ } أي انتظر { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } أي فسيعلمون لمن تكون النصرة والظفر ، وعلو الكلمة في الدنيا والآخرة ، فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ، ومن اتبعكم من المؤمنين ، كما قال تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [ المجادلة : 21 ] الآية ، وقال تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [ غافر : 51 - 52 ] .