Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-16)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه ، عطف بالوصية بالوالدين ، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله عزّ وجلّ : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] ، وقوله جلّ جلاله : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [ لقمان : 14 ] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ، وقال عزّ وجلّ هٰهنا : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } أي أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما ، روى أبو داود الطيالسي ، عن سعد رضي الله عنه قال : قالت أم سعد لسعد : أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين ؟ فلا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بالله تعالى ، فامتنعتْ من الطعام والشراب ، حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ، ونزلت هذه الآية : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } الآية ، { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } أي قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعباً ، من وَحَم وغشيان وثقل وكرب إلى غير ذلك ، مما تنال الحوامل من التعب والمشقة ، { وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي بمشقة أيضاً من الطلق وشدته ، { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } وقد استدل بهذه الآية مع التي في لقمان { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [ الآية : 14 ] ، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وهو استنباط قوي صحيح ، روى محمد بن إسحاق ، عن معمر بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة ، فولدت له لتمام ستة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه ، فذكر ذلك له ، فبعث إليها فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ، فقالت : ما يبكيك ، فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط ، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيَّ ما شاء ، فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها ، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه ، فأتاه فقال له : ما تصنع ؟ قال : ولدت تماماً لستة أشهر وهل يكون ذلك ؟ فقال له علي رضي الله عنه : أما تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قال : أما سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } وقال : { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] فلم نجده بقي إلاّ ستة أشهر ، قال ، فقال عثمان رضي الله عنه : والله ما فطنت بهذا ، عليَّ بالمرأة ، فوجدوها قد فرغ منها ، قال ، فقال معمر : فوالله ما الغراب بالغراب ، ولا البيضة بالبيضة أشبه منه بأبيه ، فلما رآه أبوه قال : ابني والله لا أشك فيه ، قال ، وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة ، فما زالت تأكله حتى مات ، وقال ابن عباس : إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهراً ، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً ، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين ، لأن الله تعالى يقول : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي قوي وشب وارتجل ، { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } أي تناهى عقله ، وكمل فهمه وحلمه ، ويقال إنه لا يتغير غالباً عما يكون عليه ابن الأربعين ، وروى الحافظ الموصلي ، عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه ، وإذا بلغ ستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء ، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبَّت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفعه الله تعالى في أهل بيته ، وكتب في السماء أسير الله في أرضه " . { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } أي ألهمني { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } أي في المستقبل ، { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } أي نسلي وعقبي ، { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدّد التوبة والإنابة إلى الله عزَّ وجلَّ ويعزم عليها ، وقد روى أبو داود في " سننه " عن ابن مسعود رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد : " اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها عليك قابليها ، وأتممها علينا " " قال الله عزَّ وجلَّ : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا ، التائبون إلى الله المنيبون إليه ، المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار ، هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ، ونتجاوز عن سيئاتهم ، فيغفر لهم الكثير من الزلل ، ونتقبل منهم اليسير من العمل { في أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } أي هم في جملة أصحاب الجنة ، وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله عزَّ وجلَّ من تاب إليه وأناب ، ولهذا قال تعالى : { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } ، روى ابن أبي حاتم ، عن محمد بن حاطب قال : لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه ، وعنده ( عمار ) و ( صعصعة ) و ( الأشتر ) و ( محمد بن أبي بكر ) رضي الله عنهم ، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه ، فكان علي على السرير ومعه عود في يده ، فقال قائل منهم : إن عندكم من يفصل بينكم ، فسألوه ، فقال علي رضي الله عنه : كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } قال : والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم ، قالها ثلاثاً . قال يوسف : فقلت لمحمد بن حاطب : آلله لسمعتَ هذا من علي رضي الله عنه ؟ قال : آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه .